الرومانية، واستقروا سادة في البلاد المفتوحة مدى قرن، عانى البربر فيه أمر ضروب العسف والطغيان. وفي سنة 534 م بعث يوستنيان، إمبراطور (قيصر) الدولة الشرقية قائده الشهير بليزاريوس إلى إفريقية على رأس جيش ضخم فافتتحها وحطم سلطان الوندال وأجلاهم عنها؛ ومن ذلك الحين عادت إفريقية إلى سلطان الدولة الشرقية، وظلت كذلك حتى الفتح الإسلامى.
وكانت إفريقية يومئذ في حال يرثى لها من الانحلال والتفكك، يسود الاضطراب نظمها وإدارتها، وتمزقها الأهواء والمطامع والفتن؛ وكانت عصور من الطغيان والجور والمصادرة قد عصفت بمواردها، ولكن الثروات كانت مع ذلك تتكدس في بعض الثغور والمدن؛ وكانت الدولة الشرقية قلما تعني بإصلاح هذه الأقطار أو إعداد وسائل الدفاع عنها، وإنما كانت ترى فيها قبل كل شىء مورداً للكسب على نحو ما قدمنا، فكان البربر على استعداد للتخلص من هذا النير المرهق، ومعاونة الفاتحين الجدد.
ولكن العرب شغلوا حيناً عن متابعة الفتح حينما عصفت ريح التفرق بالخلافة الإسلامية، ونشب الخلاف بين علي بن أبي طالب، الذي ولى الخلافة على أثر مقتل عثمان، في مستهل سنة 35هـ (655 م)، وبين خصمه ومنافسه القوي معاوية بن أبي سفيان والى الشام، واضطرمت ثورة الخوارج التي كادت أن تزعزع أسس الدولة الإسلامية الناشئة، وشغلت الجزيرة العربية بضعة أعوام، بتلك الحوادث والفتن الداخلية. وكان مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في رمضان سنة 40هـ خاتمة هذا النضال المؤلم، فآلت الخلافة إلى معاوية، وقامت الدولة الأموية في الشام لتفتتح في تاريخ الإسلام عصراً جديداً.
وكانت الدولة الأموية، تتشح إلى جانب ثوبها الخلافي، بأثواب الملك