ولكن الروم تقدموا إلى لقاء المسلمين في مائة وعشرين ألف مقاتل (?) بقيادة جريجوريوس أو جرجير حاكم إفريقية الروماني (?). وتختلف الرواية الإسلامية في أمر جرجير هذا، ويقول البعض إنه كان من الفرنج وليس من الروم، وإنه كان ملك الفرنجة في إفريقية ما بين طرابلس وطنجة، وإن سبيطله كانت دار ملكه. والحقيقة أن إفريقية كانت في ذلك الحين ولاية رومانية، تخضع لقيصر (إمبراطور) قسطنطينية، وكان جرجير أو جريجوريوس حاكمها من قبل الإمبراطور. على أن حاكم إفريقية الروماني، كان يتمتع وقتئذ بكثير من الإستقلال، نظراً لضعف السلطة المركزية في عاصمة الدولة الشرقية. وهكذا كان شأن جرجير، فقد كان حاكما بأمره في ولايته. ولما علم العرب بتحرك جرجير، تركوا حصار طرابلس وساروا إلى لقاء الروم، ونشبت بين الجيشين مدى أيام معارك شديدة في ظاهر سبيطلة (سوفيتولا) بالقرب من أطلال قرطاجنة القديمة، وهي عاصمة إفريقية يومئذ، فهزم الروم هزيمة شديدة، وقتل قائدهم جريجوريوس، وأسرت إبنته (28 هـ - 648 م) (?). ثم حاصر عبد الله سبيطلة، وافتتحها وخربها، وبث جيوشه في تلك الأنحاء حتى قفصة. ثم عقد الصلح مع أهلها على أن يؤدوا الجزية. وقضى في تلك الغزوات خمسة عشر شهرا، ولكنه لم ينشئ في البلاد المفتوحة حكومة جديدة. ولم يتخذ بها قاعدة إسلامية. ثم عاد إلى مصر بعد أن أنشأ حامية في برقة وأخرى في زويلة (?).
ويجب قبل أن نمضي في الكلام على افتتاح إفريقية أن نذكر كلمة عما كانت عليه أحوالها وظروفها وقت الفتح الإسلامي. كانت إفريقية منذ زوال قرطاجَنّة القديمة، في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد إلى أوائل القرن الخامس بعده, ولاية رومانية تخضع لسلطة رومة أولا، ثم بعد سقوطها لسلطة قسطنطينية أو الدولة