ويلزمونهم في زادهم من كل موضع وعلفهم، وهذا فعل كل فرقة منهم في سيرها، وسوء رأيهم بذلك في المخازن وغيرها، وأن من جملة ما حكى عنهم أنهم يتألفون في الطرق جموعاً، ويحلون بأفنية الناس حلولا شنيعاً، يكلفونهم مؤناتهم تكليف المجرم، ويتحكمون عليهم بحكم المغرم، حتى أنهم لا يرضون في ضيافاتهم إلا بأسمن الجزر، وناهيكم بهذا الاجتراء العظيم الضرر، فسارعوا وفقكم الله تعالى، إلى حسم هذه العلة من أصلها، وبادروا إلى قطع تلك العادة الذميمة وفصلها، وتخيروا لرسائلكم إرسالا، وانتقوا من أهل المقدرة على ذلك والثقة رجالا، وادفعوا إليهم زاداً يقوم بهم في المجىء والانصراف، ويقطع شأنهم من التكليف والإلحاف، وارسموا لهم أياماً معروفة العدد، معلومة الأمد، لينتهوا بها، إلى مواقف رسائلهم، ويوزعوها على مسافات مراحلهم، وحذروهم من تكليف أحد من الناس ولو مثقال ذرة، وأوعدوا من تسبب منهم إلى مسلم بمساءة أو مضرة، والله تعالى المستعان على دفع أسباب الجور، ونستعيذ به سبحانه من الخور.
وكذلك ذكر لنا - وفقكم الله تعالى - من التحكم في الأموال، وقلة المبالاة بالتفريق بين الحرام منها والحلال، أن أولئك الذين ذكرت خدعهم، ووصفت غرضهم الذميم ومنزعهم، يفعلون في أموال الناس ما تقدم ذكره، وشرح فكره، وتمتد أيديهم إلى المخازن هناك، فيعيثون فيها، ويتحكمون، ويجرؤون في التعدي عليها ملء شأوهم وأنفسهم يظلمون، واتقوا الله تعالى فيها، فإنها أمواله المخزونة في أرضه، وبادروا إلى كف كل معتد وقبضه، ولا سبيل لكم أن تنفذوا منها قليلا ولا كثيراً، إلا بعد استئذاننا وتعريفنا بالدقيق والجليل مما هنالك، وهذا أمر منا لكم، ولكل من وقف على كتابنا هذا من الطلبة والشيوخ والموحدين كافة أمراً دائماً لازماً، سنته بالاستمرار مستظلة، وصحته بفضل الله لا تدخلها تعله.
وقد خاطبنا بمثل ما خاطبناكم به، جميع الطلبة الموحدين، وكافة البلاد التي هي بالدعوة المهدية معمورة، وبكلمة الإيمان مشرقة منيرة، فأمرنا بجميع فصول كتابنا هذا إليكم ولسواكم شامل، وفي كافة أقطار الموحدين نافذ عامل، فمن خالفه بوجه من وجوه الخلاف، فقد تبين عناده وساء في العاجل والآجل مآله ومعاده، ومن لم يمتثله، بواجب الامتثال، ويكف يده عما رسمناه في كافة الأحوال، فقد تعرض لأشد العقاب وأوحاه، واستقبل من ارتكاب النهي ما يصده الانتقام به عن سواه منحاه، فاستصحبوا حدنا هذا استصحاباً مؤيداً،