أن ابن العربي بالرغم من تحوله إلى جانب الموحدين حينما قامت دولهم، لم يضن بمديحه للمرابطين وعهدهم، حسبما أشرنا إلى ذلك من قبل (?).
وكان من أعلام الفقهاء في العصر المرابطي، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد، قاضي الجماعة بقرطبة، وقد برع بالأخص في الفقه المالكي، وألف فيه عدة مصنفات جليلة، منها " كتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل " و " كتاب المقدمات لأوائل كتاب المدونة "، واختصار كتاب المبسوطة، واختصار مشتمل الآثار لأبى جعفر الطحاوي. وكان ابن رشد بجلال بيته، ورفيع خلاله، ورياسته العلمية، من الرؤساء ذوي المكانة والنفوذ، لدى البلاط المرابطي، وقد رأينا فيما تقدم خطورة الدور الذي اضطلع به، في إقناع أمير المسلمين علي بن يوسف بتغريب النصارى المعاهدين. ولد بقرطبة سنة 450 هـ، وتوفي بها في شهر ذي القعدة سنة 520 هـ (أواخر 1126 م) (?).
ومن أشهر الفقهاء المحدثين والحفاظ، في ذلك العصر، أبو القاسم أحمد بن عمر بن يوسف بن ورد التميمي من أهل ألمرية. وكان متمكناً أيضاً من الأدب والنحو والتاريخ، ومتقناً لعلم الأصول والتفسير. انتهت إليه، وإلى زميله القاضي ابن العربي رياسة الفقه المالكي في عصرهما، ولى قضاء غرناطة، فظهر فيه بكفايته وعدله وحسن سيرته؛ وتوفي بألمرية في رمضان سنة 540 هـ (1146 م) (?).
ومن أعلام المحدثين والفقهاء أيضاً، أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن الصقر الأنصاري الخزرجي، أصله من سرقسطة، ومولده بألمرية سنة 502 هـ، وكان محدثاً بارعاً، وفقيهاً متمكناً متقدماً في علم الكلام، وكاتباً بليغاً وشاعراً محسناً، استدعاه أبو عبد الله بن حسون قاضي مراكش المرابطي إلى كتابته، فلما صرف عن القضاء، تولى أبو العباس خطة الإمامة، واستمر بها، حتى سقطت مراكش وآل الأمر إلى الموحدين. ولما وقعت النكبة، واستباح الموحدون دماء أهل المدينة، اختفى أبو العباس حيناً، وكتب له النجاة، حتى نودي بالعفو، ثم استُنقذ من الرق، واتصل بالسادة الجدد، أعني الموحدين.