العلم وتدريسه، فهرع الناس لسماعه والأخذ عليه، وكان أعظم حفاظ عصره.

وكتب عدة كتب في الحديث. وفي سنة 514 هـ ذهب إلى شاطبة وأقام بها، وكان دائب الحث على الجهاد. ولما سار الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين غازياً إلى الثغر الأعلى لإنقاذ دورقة وقلعة أيوب، كان أبو علي ضمن العلماء الذين ساروا في ركبه، وكان ممن استشهد في موقعة كتندة، التي نشبت على أثر ذلك بين المرابطين وبين الأرجونيين، بقيادة ألفونسو المحارب، في ربيع الأول سنة 514 هـ (يونيه 1120 م) وذلك حسبما فصلناه من قبل في موضعه (?).

والثاني هو القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن العربي المعافري، وهو من أعظم فقهاء العصر المرابطي وحفاظه، ولد بإشبيلية سنة 468 هـ وبرع في الحديث والأدب، ورحل إلى المشرق مع أبيه حينما أرسله يوسف بن تاشفين سفيراً عنه إلى الخليفة المستظهر والإمام الغزالي، وذلك في سنة 485 هـ، ودرس بمكة والقاهرة وبغداد ودمشق. وقرأ في بغداد على أبى بكر الشاشي، وأبى حامد الغزالي، وبدمشق علي أبى بكر الطرطوشي، ثم عاد إلى الأندلس سنة 493 هـ، يسبقه صيته العلمي. ويصفه تلميذه ابن بشكوال " بالإمام العالم الحافظ، المستبحر، ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها ". وتولى ابن العربي قضاء بلده إشبيلية لأول مرة في سنة 508 هـ، ولبث به مدة وعرف بحزمه ونزاهته، وتحريه العدل والحق والتزام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أوذى بسبب ذلك وانتهبت أمواله وكتبه. ثم صرف عن القضاء وانقطع للتدريس ونشر العلم. وكتب عدة مؤلفات منها " كتاب ترتيب الرحلة "، وكتاب " العواصم والقواصم "، وكتاب " أنوار الفجر " في مدح الرسول، وكتاب " قانون التأويل "، وكتاب " التلخيص في النحو"، وكتاب " القبس في شرح موطأ مالك " وبلغت مؤلفاته نحو الأربعين كتاباً. ولما اضطربت أمور الدولة المرابطية بالأندلس، وغلب الموحدون على إشبيلية، عبر القاضي ابن العربي البحر إلى المغرب، على رأس وفد كبير من علماء إشبيلية وأعيانها، ولقى الخليفة عبد المؤمن بمراكش في أوائل سنة 542 هـ، وذلك عقب افتتاحها، وقدم إليه بيعة أهل إشبيلية، ولما غادر الوفد مراكش عائداً إلى الأندلس، توفي القاضي ابن العربي خلال الطريق، ردفن بفاس وذلك في جمادى الآخرة من نفس السنة (1147 م). ومما تجدر ملاحظته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015