بين المديح والذم، والتقدير والانتقاص، وذلك حسبما أشرنا إليه في موضعه في أخبار دولة بني جهور (?). وجاء بعد ابن حيان تلميذه أبو عبد الله الحميدي المتوفى سنة 488 هـ (1095 م). وقد عنى في معجم تراجمه (?)، بترجمة كثير من العلماء والأدباء، والفقهاء والمحدثين، في عصر الطوائف. وكتب المؤرخ والأديب الكبير أبو الحسن على بن بسام الشنترينى معجمه التاريخي والأدبي الضخم بقرطبة، عقب انتهاء عهد الطوائف بقليل، في سنتي 502 و 503 هـ.
وقد عاصر ابن بسام، قبل أن يغادر موطنه مدينة شنترين البرتغالية نحو سنة 480 هـ، قبيل استيلاء النصارى عليها بأعوام قلائل (?)، أواخر عهد الطوائف، وأوائل عهد المرابطين، وعاش وقتاً في إشبيلية، ثم غادرها إلى قرطبة، حيث كتب مؤلفه. ويعتبر كتاب " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة "، وهو مؤلف ضخم يحتوي على أربعة مجلدات أو أقسام كبيرة، من أهم وأنفس مصادرنا عن الطوائف سواء من النواحي التاريخية أو الأدبية أو الاجتماعية. وبالرغم من أن الصفة الأدبية تغلب عليه، بما يورده من تراجم أكابر الأدباء والكتاب والشعراء، ومن منثورهم ومنظومهم، فإنه مع ذلك يتضمن طائفة كبيرة من الفصول والشذور التاريخية، المنقولة عن ابن حيان وغيره من المؤرخين المعاصرين، أو المكتوبة بقلم ابن بسام ذاته. ويصارحنا ابن بسام في مقدمته بالدافع النفسي الذي دفعه إلى تصنيف " الذخيرة "، وهو أنه رأى انصراف أهل عصره وقطره إلى أدب المشرق والتزود منه والإعجاب به، وإهمال أدب بلدهم، فأراد بوضع الذخيرة، وجميع ما تضمنه، من رائق المنثور والمنظوم، أن يبصر أهل الأندلس ْبتفوق أدبائهم، وروعة إنتاجهم، وأن الإحسان ليس مقصوراً على أهل المشرق.
ومن الواضح أيضاً أن ابن بسام أراد أن يعارض بكتابه محاسن أهل الجزيرة أى جزيرة الأندلس، أديب المشرق الكبير أبي منصور الثعالبي صاحب