الطوائف، إلا أنه يقدم لنا في رسالته المسماة " نقط العروس "، وفي بعض رسائله الأخرى، طائفة من الوقائع والملاحظات الصادقة عن عصر الطوائف وشخصياته، أشرنا إليها واقتبسنا منها فيما تقدم. ثم المؤرخ الكبير أبو مروان حيان بن خلف ابن حيان، وقد ولد بقرطبة سنة 377 هـ (987 م) وتوفي بها سنة 469 هـ (1076 م)، وكان أبوه خلف بن حيان من وزراء المنصور بن أبي عامر. وبرع ابن حيان في الأدب والرواية حتى غدا من أعلامها وخاصة محققيها، وكانت نشأته الأرستقراطية، وعلائق أسرته بالأوساط العليا، تتيح له حسن الاطلاع والوقوف على شئون الدولة، ودراسة مختلف التيارات السياسية. وشهد ابن حيان في شبابه سقوط الدولة العامرية، وما تلاه من ترنح الخلافة الأموية ثم سقوطها، وقيام دول الطوائف في بداية القرن الخامس الهجري، وتولى هو الوزارة لبني جهور، وشهد سقوط دولتهم، وخصص لها كتاباً من كتبه. ولا ريب أن هذه الأحداث المثيرة، التي مزقت وحدة الوطن الأندلسي، قد أذكت مخيلة ابن حيان، وصقلت قلمه، وأمدته بكثير من التعليقات الصائبة، والملاحظات النقدية القوية، التي نراها ماثلة في معظم ما كتبه عن حوادث عصره. وأعظم آثار ابن حيان كتابه " المقتبس في تاريخ رجال الأندلس " أو " المقتبس في أخبار أهل الأندلس ". وهو تاريخ ضخم للأندلس حتى عصره أى عصر الطوائف. وقد انتهت إلينا منه عدة قطع مخطوطة (?). وقد ضمنه ابن حيان، عن عصر الطوائف وأحداثه التي شهد الكثير منها بنفسه، أقيم الروايات وأنفسها، وأحفلها بالتعليقات النقدية. وكتب ابن حيان غير المقتبس، كتابه " المتين " وهو أيضاً تاريخ للأندلس تبالغ الرواية في ضخامته، ولكن لم يصل إلينا شىء منه, وكتاب المآثر العامرية، وهو أيضاً كتاب ضخم يقص فيه ابن حيان سيرة المنصور ابن أبي عامر وغزواته، ولكنه لم يصل كذلك إلينا.
وأسلوبه التاريخي يتسم بروح علمي ونقدي بارز. ويشيد ابن بسام بمجهوده التاريخي، وينقل عنه شذوراً ضافية، ولكنه يحمل عليه لمواقفه المتناقضة أحياناً