" يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر "، فالذخيرة واليتيمة بذلك صنوان يدعو كل منهما إلى تذوق محاسن قطره.
ونجد إلى جانب ابن بسام كاتباً أديباً ومؤرخاً آخر، هو الفتح بن خاقان المتوفى سنة 529 هـ (1134 م) صاحب كتابي " القلائد " و " المطمح ". وقد أورد لنا في " القلائد " (?) تاريخ طائفة كبيرة من أمراء الطوائف ووزرائهم من الكتاب والشعراء والقضاة، يقدمهم إلينا في أسلوب مسجع، يغلب عليه التكلف، ويتضمن مع ذلك نبذاً وحقائق تاريخية هامة، وكذا في المطمح أو " مطمح الأنفس ومسرح التأنس " فقد تحدث عن طائفة من الأعيان الذين تناولهم في القلائد، وتحدث عن غيرهم بنفس الأسلوب المسجع. ونجد أخيراً شاعراً وكاتباً كبيراً، هو أبو محمد عبد المجيد بن عبدون، وزير بني الأفطس والراثي لدولتهم، المتوفى سنة 520 هـ (1126 م) وهو الذي سبق ذكره، يقدم لنا في رسالته عن " القضاء والحسبة " صوراً هامة عن شئون القضاء والحسبة، وما يتعلق بها من أحوال الناس والمجتمع في عهد الطوائف، تبدو فيها روح النقد والتشاؤم، وهو ينوه في رسالته بما كان يجرى في إشبيلية، حيث كان يقيم، من ضروب الفساد، ويدعو إلى الكف عن أمور كانت تجرى في عهده، منها ألا يدخل النساء المسلمات الكنائس المشفوعة تحوطاً من فسق القساوسة، وألا تقرع النواقيس في بلاد المسلمين، إذ هي لا تضرب إلا ببلاد النصارى، وألا يبيع النصارى واليهود كتب العلوم الإسلامية لأنهم يترجمونها وينسبونها إلى أعيانهم، وألا يتولى الأطباء اليهود والنصارى علاج المسلمين. إلى غير ذلك مما سبق أن أشرنا إليه. ومما جاء في ختام رسالته قوله: " وبالجملة فإن الناس قد فسدت أديانهم وإنما ... الدنيا الفانية والزمان على آخره. وخلاف هذه الأشياء، هو ابتداء الهرج، وداعية الفساد، وانقضاء العالم. ولا يصلح ذلك إلا نبي بإذن الله. فإن لم يكن زمن نبي، فالقاضي مسؤول عن ذلك كله، ومن كان في عون المسلمين، كان الله في عونه، فعليه أن يصرح بالحق، ويجري إلى الإصلاح والعدل