وكان ابن حزم بالأخص داعية من أشد دعاة المذهب الظاهري، وقد غلبت هذه النزعة على سائر بحوثه الفقهية والكلامية، واعتبر حجة هذا المذهب وإمامه في عصره. وكان يتشدد كل التشدد في تطبيقه على العقائد، والأحكام، وهو لا يأخذ في تفسير الأحكام إلا بالكلمة المكتوبة، والحديث الثابت، ويعتبرهما حاسمين، في صوغ الأحكام. وقد اشتهر باعتناقه لهذا المذهب حتى أن أنصاره سموا فيما بعد " بالحزمية " نسبة إليه. وقضى ابن حزم حياة فكرية عميقة خصبة.

وأثار في الوقت نفسه، بآرائه ونظرياته الأصولية والدينية من حوله خصومات كثيرة، واتهمه البعض بالمروق والزندقة، وأحرقت كتبه في إشبيلية بأمر المعتضد ابن عباد (?). ونزح في أواخر حياته إلى دار أسرته بقرية منت ليشم من أعمال لبلة، وهنالك توفي في شعبان سنة 456 هـ (1064 م) (?).

وكان من أقران ابن حزم الذين طرقوا مثل ميدانه في التفكير الديني والشرعي، العلامة أبو الوليد الباجي، وهو سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب التجيبي الباجي الحافظ. ولد بمدينة بطليوس غربي الأندلس سنة 403 هـ ودرس في قرطبة، ثم سافر إلى المشرق ودرس حيناً بمكة ثم في بغداد، ولما عاد إلى الأندلس عاش حيناً في بلاط ميورقة، وحيناً آخر في كنف المقتدر بن هود، واشتهر بردوده على ابن حزم، وكان قرينه في غزارة العلم وسعة المعرفة. وقد وصف بأنه من أئمة المسلمين. وتوفي في سنة 474 هـ (1081 م). ومن شعره:

إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعة

فلم لا أكون ضنيناً بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة (?)

ونبغ إلى جانب ابن حزم عالم ومفكر جبار آخر، هو العلامة اللغوي الأعمى أبو الحسن على بن سيده، المتوفى في سنة 458 هـ (1066 م). وكان آية في الحفظ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015