وكان لحبه لولادة بلا ريب أعمق تأثير في نفسه وروحه، وهو تأثير يشيد به النقد الحديث. يقول الأستاذ نكل " وبغير هذا التأثير كان شعر ابن زيدون يبقى ناقصاً بعضاً من أثمن جواهره " (?).

وإلى جانب هذين الشاعرين العظيمين، ابن عمار وابن زيدون، كان بلاط إشبيلية يضم طائفة أخرى من أكابر شعراء العصر، منهم أبو بكر محمد بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانه وأصله من دانية، كما يدل على ذلك اسمه، وبرع في الشعر منذ صباه، واتخذه وسيلة للتكسب والعيش، وتجول بين قصور الطوائف يمتدح ملوكهم. ثم اتصل ببلاط إشبيلية، وغدا شاعر المعتمد الأثير لديه، وقد نظم في مديحه كثيراً من قصائده. ولما ذهبت دولة المعتمد، ونفي أسيراً إلى المغرب، زاره أبو بكر بأغمات، وله في دولة المعتمد وأيامه، وفي محنته وأسره، قصائد كثيرة، وله كتاب في تاريخ بني عباد سبقت الإشارة إليه.

ولحق في أواخر أيامه بجزيرة ميورقة، ومدح صاحبها مبشر العامري وحظى لديه.

ومنهم عبد الجليل بن وهبون، وهو صديق ابن عمار ومرثيه، وأبو الحسن الحصرى، وأصله من القيروان. وقد خدم المعتضد ثم المعتمد، وتوفي بطنجة سنة 488 هـ. ومنهم شاعر فذ من الوافدين على الأندلس، هو عبد الجبار ابن أبى بكر بن محمد الأزدي الصقلي المعروف بابن حمديس، وقد ولد بسرقوسة سنة 447 هـ (1055 م)، ولما غزا النورمان صقلية في سنة 471. (1078 م) سار إلى تونس ثم إلى إشبيلية والتحق ببلاط المعتمد، ونظم في مديحه كثيراً من القصائد، وظهر بروعة افتنانه ولاسيما في شعره الوصفي. ولما أسر المعتمد زاره في أغمات وأقام لديه مدة، ثم سار ابن حمديس بعد ذلك إلى المهدية وخدم ملكها وتوفي سنة 527 هـ (1132 م).

وأما عن الكتاب الذين خدموا في بلاط إشبيلية، وازدهروا في ظل بني عباد، فقد أشرنا إلى الكثير منهم، خلال حديثنا عن أخبار مملكة إشبيلية، وإنما أردنا أن نخص الشعراء بالذكر هنا لما كان لبني عباد في هذا الميدان من رياسة ومواهب عالية، ولما كان لدولة الشعر في ظلهم من رعاية خاصة، وقد كان بنو عباد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015