نساء أهل زمانها، واحدة أقرانها حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر، وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهافت أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، إلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب، وطهارة أثواب. على أنها، سمح الله لها وتغمد زللها، طرحت التحصيل، وأوجدت للقول فيها السبيل، بقلة مبالاتها، ومجاهرتها بلذاتها " (?). وهام ابن زيدون في شبابه بولادة أيام خدمته لبني جهور، وتوثقت علائقه بها مدة من الزمن، ونظم في حبها طائفة من أروع قصائده، ثم ساءت العلائق بينهما، وهجرته ولادة وهو يستعطفها بقصائد مؤثرة. وكان ينافسه في ودها رجل من سراة قرطبة يدعى أبو عامر بن عبدوس تزوجته ولادة فيما بعد، وانتهى الأمر بأن زج ابن زيدون إلى السجن إما لريبة علقت بولائه لابن جهور، أو نتيجة لمكيدة دبرها له خصمه ومنافسه ابن عبدوس. وقد وجه ابن زيدون إلى منافسه وخصمه ابن عبدوس هذا، رسالة لوم وتقريع، تفيض بألوان مؤلمة من التهكم والتشبيهات، والمقارنات، وينعته في أولها " بالمصاب بعقله، المورط بجهله، البين سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره ". ثم يفيض في وصفه وتشبيهه بأسلوب ساخر مقذع، وقد اشتهرت رسالة ابن زيدون هذه، واعتبرت من الطرائف الأدبية وعملت لها شروح عديدة (?). ثم فر ابن زيدون من سجنه، وغادر قرطبة إلى إشبيلية وذلك في سنة 441 هـ (1049 م) والتحق ببلاط المعتضد بن عباد، وخدمه وعلت مكانته لديه. ولما توفي المعتضد استمر في خدمة ولده المعتمد، وتوفي في سنة 463 هـ (1071 م). وقد ترك لنا ابن زيدون ثروة كبيرة منوعة من نظمه الرائق، ومنها قصائد تعتبر من أروع ما يحتويه الشعر الأندلسي (?)، وفيها يبلغ النسيب ذروة الإبداع الروحي والحسي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015