سلكه الإسلام في حربها، ذلك أن الله عز وجل خاطب بالأمر عن اجتنابها قلوب المؤمنين به، فكانت عقيدة الإيمان بالله التي امتلأت بها قلوب السلف الصالح من المسلمين هي أقوى الرسائل في اجتنابها، فما كان لقلب المؤمن أن يهفوا إلى ما حرمه الله، وما كان له أن ينازع أو تكون له الخيرة فيما قضاه من أمر بالتحريم أو التحليل لأن التسليم والإذعان هو علامة الإيمان بالله مصداقا لقوله تعالى.
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} سورة الأحزاب الآية/36، والثابت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يشرب الخمر شاربها وهو مؤمن".
فإن قويت العقيدة الإيمانية في نفس المؤمن كانت الزاجر الداخلي الذي لا يحتاج معه المؤمن إلى زاجر من قوة خارجية تصده عما يهواه، فإن ضعفت هذه العقيدة أو غابت، برزت قوة الشريعة وسلطة القانون الديني التي تقف للعابثين بالمرصاد بما شرعه الله من عقوبات وحدود تصون سلامة الفرد وتحمي أمن الجماعة، ولهذا قام الخلفاء المسلمون على تنفيذ الشريعة شريعة الله في إقامة الحدود، ومنها حد الخمر على شاربها أيا كانت منزلته الاجتماعية، وأيا بلغت مكانته بين الناس. .
ومن ذلك ما رواه ابن جرير الطبري بسنده في حوادث السنة الثانية عشرة من الهجرة وهو أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وهو أمير جيوش المسلمين بالشام في حرب الروم قد كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن نفرا من علية القوم في المسلمين أصابوا الشراب منهم ضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهل فسألناهم فقالوا: خيرنا فاخترنا قال: فهل أنتم منتهون..؟ ولم يعزم أبو عبيدة، فجمع عمر الناس واستشارهم فيما فعل هؤلاء وفيما قالوه، فاجتمعوا على أن يضربوا فيها بثمانين جلدة، فكتب عمر إلى أبي عبيدة، أن ادعهم فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين جلدة، فبعث إليهم فسألهم واستحيوا ولزموا البيوت" وأدركت أبا جندل حال من الوسواس كادت تقتله فكتب أبو عبيدة إلى عمر: إن أبا جندل قد وسوس إلا أن يأتيه الله على يديك بفرج فاكتب إليه وذكره، فكتب إليه عمر: من عمر إلى أبي جندل: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فتب إليه، وارفع رأسك، وابرز، ولا تقنط فإن الله عز وجل يقول: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} سورة الزمر/ 53، فلما قرأ أبو عبيدة على أبي جندل كتاب عمر تطلق