إنه قول مجرب ذاق مرارتها وإن زعم الناس سفاهة أنه تجلب السرور، وتدفع الهموم، ولكنه يصور ما يلقاه شاربها من استخفاف الناس به واحتقارهم لما يأتيه من أقوال وأفعال تذل على الطيش والضلال.

وحسبك أن ترى في قصته على اختلاف الرواة فيها أن المجتمع الإسلامي أصبح ينظر إلى معاقريها نظرة ازدراء واحتقار وأنه محروم من أشرف ما يتسابق إليه المتسابقون في ظل الإسلام، وهو الجهاد في سبيل الله وأن هذا المجتمع الجاد لا يصح أن يشغل المرء نفسه وغيره بتصوير الشهوات والحنين إلى أيام الضلال والترهات لأن مثل هذا الحنين يضعف النفوس عن قوة العزائم، وبأس الإرادة، واستمع إلى أبي محجن يعلن توبته ويعاهد الله ألا يعود إليها ما عاش: حيث يقول:

أتوب إلى الله الرحيم فإنه ... غفور لذنب المرء ما لم يعاود

ولست إلى الصهباء ما عشت عائدا ... ولا تابعا قول السفيه المعاند

وكيف قد أعطيت ربي موثقا ... أعود لها والله ذو العرش شاهد

سأتركها مذمومة لا أذوقها ... وإن رغمت فيها أنوف حواسدي

وقوله:

ألم ترني ودعت ما كنت أشرب ... من الخمر إذ رأسي لك الخير أشيب

وكنت أروي هامتي من عقارها ... إذ الحد مأخوذ وإذ أنا أضرب

فلما دروا عني الحدود تركتها ... وأضمرت فيها الخير والخير يطلب

وقال لي الندمان لما تركتها ... أالجد هذا منك أم أنت تلعب

وقالوا: عجيب تركك اليوم قهوة ... كأني مجنون وجلدي أجرب

سأتركها لله ثم أذمها ... وأتركها في بيتها حيث تشرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015