{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} في عبادة الله، ومعاملة خلقه، أن نفرج عنهم الشدائد، ونجعل لهم العاقبة، والثناء الحسن. {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} في عبادتنا، المقدِّمين رضانا على شهوات أنفسهم. نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء. ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء.
ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء. ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء! كذلك نجزيهم بالبلاء .. والوفاء ... والذكر ... والسلام ... والتكريم.
• الجزاء من جنس العمل:
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} إذًا ليست خاصة بإبراهيم فقط بل هي لكل محسن أخلص لله وراقب الله ـ سوف يجازي بنفس الطريقة. {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} كل من ضحي لله بشيء فالله - عز وجل - سوف يخلفه خيرًا منه أو يبقيه له وزيادة، كما بقيت نفس إسماعيل وزِيدَ له أخًا نبيًا بدلا من نبي واحد أصبحا نبيَّيْن إسماعيل وإسحاق، وفداه الله بذبح عظيم.
وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ». (رواه الإمام أحمد، وقال الألباني: سنده صحيح على شرط مسلم). (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ) أي امتثالًا لأمره وابتغاءً لرضاه بغير مشاركة غرض من الأغراض معه.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} بما أمر الله بالإيمان به، الذين بلغ بهم الإيمان إلى درجة اليقين، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (الأنعام:75).
وهذا جزاء الإيمان. وتلك حقيقته فيما كشف عنه البلاء المبين. لما قبل إبراهيم أن يذبح ولده ونجح في هذا الامتحان كافأه الله - عز وجل - أن أعطاه ولدًا آخر فوهب له إسحاق في شيخوخته. وباركه وبارك إسحاق. وجعل إسحاق نبيًا من الصالحين: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} هذه البشارة الثانية بإسحاق، الذي من ورائه يعقوب، فبشر بوجوده وبقائه، ووجود ذريته، وكونه نبيًّا من الصالحين، فهي بشارات متعددة.
•