إبراهيم، فكان عظيمًا من جهة أنه كان فداء لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة، ومن جهة أنه كان قربانًا وسنة إلى يوم القيامة.
ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان. وجمال الطاعة. وعظمة التسليم. والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم، الذي تتبع ملته، والذي ترث نسبه وعقيدته.
ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها، ولتعرف أنها الاستسلام لقَدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه. ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئًا، ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم!
ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء؛ ولا أن يؤذيها بالبلاء، إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية. مستسلمة لا تقدم بين يديه، ولا تتأبَّى عليه، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام. واحتسبها لها وفاءً وأداءً. وقبِلَ منها وفدّاها. وأكرمها كما أكرم أباها.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} أي: وأبقينا عليه ثناءً صادقًا في الآخرين، كما كان في الأولين، فكل وقت بعد إبراهيم - عليه السلام -، فإنه فيه محبوب معظم مثني عليه. فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون. وهو أمة. وهو أبو الأنبياء. وهو أبو هذه الأمة المسلمة. وهي وارثة ملته. وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم. فجعلها الله له عقبًا ونسبًا إلى يوم الدين.
{سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} سلام عليه من ربه أي: تحيته عليه كقوله - عز وجل -: {قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}. (النمل:59).
فكل الأمم المتأخرة تسلم علي إبراهيم وتريد الانتساب إليه {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:68) ونحن أولي الناس بإبراهيم إذ نحن علي ملته.