• فرجٌ مِن بعد شدة:
وعرف الله - عز وجل - من إبراهيم وإسماعيل صدقهما. فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقًا:
{وَنَادَيْنَاهُ} في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ} أي: قد فعلتَ ما أمِرتَ به، فإنك وطَّنْتَ نفسك على ذلك، وفعلتَ كل سبب، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه.
قد صدقتَ الرؤيا وحققتها فعلًا. فالله - عز وجل - لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تُكِنّه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه، ولو كان هو الابن فلذة الكبد. ولو كانت هي النفس والحياة.
وأنت يا إبراهيم قد فعلت. جُدتَ بكل شيء. وبأعز شيء. وجُدتَ به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين. فلم يبق إلا اللحم والدم. وهذا ينوب عنه ذبح. أي ذبح من دم ولحم! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت. يفديها بذبح عظيم.
كل مواقف إبراهيم - عليه السلام - يأتي الفرج في آخر لحظة، إسماعيل وهو يتلوي من العطش الفرج جاء أمه بعد سبع أشواط بين الصفا والمروة وبعد ما نفد التمر والماء، ثم يأتي الفرج في اللحظة الأخيرة، الفرج دائما يأتي بعد شدة العسر ولذلك لا تيأسوا عباد الله الأمة سوف يأتيها الفرج من عند الله - عز وجل -.
{إِنَّ هَذَا} الذي امتحنا به إبراهيم - عليه السلام - {لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} أي: الواضح، الذي تبين به صفاء إبراهيم، وكمال محبته لربه وخلته، فإن إسماعيل عليه السلام لما وهبه الله لإبراهيم، أحبه حبًا شديدًا، وهو خليل الرحمن، والخلة أعلى أنواع المحبة، وهو منصب لا يقبل المشاركة ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب، فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه إسماعيل، أراد تعالى أن يصفي وُدَّه ويختبر خلته، فأمره أن يذبح من زاحم حبُّه حُبَّ ربه، فلما قدّم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه، وزال ما في القلب من المزاحم، بقي الذبح لا فائدة فيه، فلهذا قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي: صار بدله ذبح من الغنم عظيم، ذبحه