واقعة من المنشئ لها، وصادرة عن القاصد إليها. وإذا قلنا في الفعل: «إنه موضوع للخبر»، لم يكن المعنى فيه أنه موضوع لأن يعلم به الخبر في نفسه وجنسه، ومن أصله، وما هو؟ ولكن المعنى أنه موضوع، حتى إذا ضممته إلى اسم، عقل به ومن ذلك الاسم، الخبر، بالمعنى الذي اشتقّ ذلك الفعل منه من مسمّى ذلك الاسم، واقعا منك أيّها المتكلّم، فاعرفه.
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أنّك لن ترى عجبا أعجب من الذي عليه الناس في أمر النظم»، وذلك أنه ما من أحد له أدنى معرفة إلّا وهو يعلم أن هاهنا نظما أحسن من نظم، ثم تراهم إذا أنت أردت أن تبصّرهم ذلك تسدر أعينهم (?)، وتضلّ عنهم أفهامهم. وسبب ذلك أنهم أوّل شيء عدموا العلم به نفسه، من حيث حسبوه شيئا غير توخّي معاني النحو، وجعلوه يكون في الألفاظ دون المعاني. فأنت تلقي الجهد حتى تميلهم عن رأيهم، لأنك تعالج مرضا مزمنا، وداء متمكّنا. ثم إذا أنت قدتهم بالخزائم (?) إلى الاعتراف بأن لا معنى له غير توخّي معاني النحو، عرض لهم من بعد خاطر يدهشهم، حتى يكادوا يعودون إلى رأس أمرهم. وذلك أنّهم يروننا ندّعي المزيّة والحسن لنظم كلام من غير أن يكون فيه من معاني النحو شيء يتصوّر أن يتفاضل الناس في العلم به، ويروننا لا نستطيع أن نضع اليد من معاني النحو ووجوهه على شيء نزعم أنّ من شأن هذا أن يوجب المزيّة لكلّ كلام يكون فيه، بل يروننا ندّعي المزيّة لكل ما ندّعيها له من معاني النحو ووجوهه وفروقه في موضع دون موضع، وفي كلام دون كلام، وفي الأقلّ دون الأكثر، وفي الواحد من الألف. فإذا رأوا الأمر كذلك، دخلتهم الشّبهة وقالوا: كيف يصير المعروف مجهولا؟ ومن أين يتصوّر أن يكون للشيء في كلام مزيّة عليه في كلام آخر، بعد أن تكون حقيقته فيهما حقيقة واحدة؟
فإذا رأوا التنكير يكون فيما لا يحصى من المواضع ثم لا يقتضي فضلا، ولا يوجب مزيّة، اتّهمونا في دعوانا ما ادّعيناه لتنكير الحياة في قوله تعالى: