وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة: 179]، من أنّ له حسنا ومزيّة، وأنّ فيه بلاغة عجيبة، وظنّوه وهما منّا وتخيّلا.
ولسنا نستطيع في كشف الشّبهة في هذا عنهم، وتصوير الذي هو الحقّ عندهم، ما استطعناه في نفس النظم، لأنّا ملكنا في ذلك أن نضطرّهم إلى أن يعلموا صحّة ما نقول. وليس الأمر في هذا كذلك، فليس الداء فيه بالهيّن، ولا هو بحيث إذا رمت العلاج منه وجدت الإمكان فيه مع كلّ أحد مسعفا، والسّعي منجحا، لأنّ المزايا التي تحتاج أن تعلمهم
مكانها وتصوّر لهم شأنها، أمور خفيّة، ومعان روحانيّة، أنت لا تستطيع أن تنبّه السامع لها، وتحدث له علما بها، حتى يكون مهيّئا لإدراكها، تكون فيه طبيعة قابلة لها، ويكون له ذوق وقريحة يجد لهما في نفسه إحساسا بأن من شأن هذه الوجوه والفروق أن تعرض فيها المزيّة على الجملة ومن إذا تصفّح الكلام وتدبّر الشعر، فرّق بين موقع شيء منها وشيء، ومن إذا أنشدته قوله: [من السريع]
لي منك ما للنّاس كلّهم ... نظر وتسليم على الطّرق (?)
وقول البحتريّ: [من الكامل]
وسأستقلّ لك الدّموع صبابة ... ولو أنّ دجلة لي عليك دموع (?)
وقوله: [من الطويل]
رأت فلتات الشّيب فابتسمت لها ... وقالت: نجوم لو طلعن بأسعد (?)
وقول أبي نواس: [من البسيط]