أنه ينفي الحفْظَ عن أنامله جُملةً، وأنه يزْعُم أنه لا يكونُ منها أصْلاً، وإضافَتُه الحفظَ إلى ضميرِها في قوله: "ما حفظُها الأشياءَ"، يقتضي أن يكون قد أثبْتَ لها حِفْظاً1. ونظيرُ هذا أنك تقول: "ليس الخروجُ في مثل هذا الوقت من عادي"، ولا تقولُ: "ليس خُروجي في مثلِ هذا الوقت من عادتي"، وكذلك تقولُ: "ليس ذمُّ الناسِ مِنْ شأني"، ولا تقولُ: "ليس ذمِّي الناسَ مِنْ شأني"، لأن ذلك يُوجِبُ إثباتَ الذمِّ ووجودَه منك. ولا يصِحُّ قياسُ المصْدَرِ في هذا على الفعل، أعني أنه لا ينبغي أن يُظَنَّ أنه كما يجوز أن يُقال: "ما مِن عادتها أن تَحْفظَ الأشياءَ"، كذلك ينبغي أن يجوزَ: "ما مِنْ عادتها حفظها الأشياء"، ذاك أن إضافة المضدر إلى الفاعل يقتضي وجودَه، وأنه قد كان منه، يُبيِّنُ ذلك أنك تقولُ: "أمرْتُ زيداً بأن يَخْرج غداً"، ولا تقول: "أمرتُه بخروجهِ غداً".
646 - ومما فيه خطأ هو في غاية الخفاء قوله:
ولا تشك إلى خلق فتشمته ... شكوى الخريج إلى الغِربانٍ والرَّخَمِ2
وذلك أنك إِذا قلتَ: "لا تضجر ضجر زيد"، كانت قد جعلْتَ زيداً يضجرُ ضَرْباً من الضجر، مثْلَ أن تجعله يُفرِّطُ فيه أو يُسْرعُ إليه. هذا هو مُوجِبُ العُرْفِ. ثم إنْ لم تعتبر خصوصًا وصْفٍ، فلا أقلَّ من أن تَجعلَ الضجَرَ على الجملةِ من عادتِهِ، وأنْ تَجعلَه قد كان منه. وإذا كان كذلك، اقتضَى قولُه: