شكوى الجريحِ إلى الغربانِ والرخَمِ

أنْ يكونَ ههنا "جريح"، قد عرف من حاله أنه يكون له "شكوى إلى الغربان والرخم"، وذاك مُحال. وإنما العبارةُ الصحيحةُ في هذا أن يقال: "لا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ، فإنَّكَ إنْ فعلتَ كان مثَلُ ذلكَ مثَلَ أنْ تُصوِّرَ في وهْمِك أنَّ بَعيراً دَبِراً كشَفَ عن جرحه1، ثم شكاه إلى الغربان والرخم".

خطأ آخر في اتباع تأويل لبعض العلماء:

647 - ومن ذلك تَرى من العلماءِ مَن قد تأوَّلَ في الشيء تأويلاً وقَضى فيه بأمرٍ، فتَعْتَقِدُه اتِّباعاً له، ولا تَرتابُ أنه على ما قَضى وتأوَّلَ، وتَبْقى على ذلك الاعتقادِ الزمانَ الطويلَ، ثم يلوحُ لك ما تعلَم به أنَّ الأمرَ على خِلاف ما قَدَّرَ. ومثالُ ذلك أنَّ أبا القاسم الآمديَّ، ذكَر بيتَ البحتريِّ:

فصاغَ ما صاغَ مِنْ تِبْرٍ ومِنْ وَرِقٍ ... وحاكَ ما حاكَ من وَشْي وديباجِ2

ثم قال: "صَوْغُ الغيث وحَوكُه للنبات ليس باستعارةِ، بلْ هو حقيقةٌ، ولذلك لا يقالُ: "هو صائغٌ" ولا "كأنه صائغ" وكذلك لا يقال: "هو حائك" و "كأنه حائك"، قال: "على أنَّ لفظَ "حائك" في غايةِ الركاكة إذا أُخرج على ما أخرجَهُ أبو تمام في قوله:

إِذا الغيثُ غادى نَسْجَهُ خِلْتَ أنه ... خَلَتْ حُقُبٌ حَرْسٌ له وهْوَ حائكُ3

قال: وهذا قبيح جدًا"4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015