549 - ثم إنَّ ههنا معنىً شريفاً قد كان ينبغي أن تكون قد ذكرناه في أثناءِ ما مَضَى من كلامِنا، وهو أَنَّ العاقلَ إذا نَظَر عَلِمَ علْم ضرورةٍ أنه لا سبيلَ له إلى أنْ يُكثِرَ معانيَ الألفاظِ أو يُقلِّلَها، لأنَّ المعانيَ المُودَعةً في الألفاظِ لا تتغيَّر على الجملةِ عمَّا أرادَهُ واضعُ اللغةِ، وإِذا ثبَتَ ذلك، ظَهَر منه أَنه لا معنى لقولِنا: "كثرةُ المعنى مع قِلَّة اللفظِ"، غيرَ أنَّ المتكلَّم يتَوصَّل بدلالةِ المعنى على المعنى إلى فوائدَ، لَوْ أَنه أرادَ الدلالةَ عليها باللفظ لاحتاجَ إلى لفظ كثير.
الرأي الفاسد وخطره إذا قاله عالم له صيت ومنزلة:
550 - واعلمْ أَن القولَ الفاسِدَ والرأيَ المدخولَ، إِذا كان صدره عن قوم لهم نَباهةٌ وصيتٌ وعلوٌّ منزلةٍ في أنواعٍ من العلوم غيرِ العِلْم الذي قالوا ذلك القولَ فيه1، ثم وقَعَ في الأَلْسُن فتداولتْه ونَشرَتْه، وفشَا وظَهَر، وكَثُرَ الناقلون له والمُشِيدُون بِذكْره2 صار تَرْكُ النَّظرِ فيه سنَّةً، والتقليدُ ديناً، ورأيتَ الذين همْ أهلُ ذلك العِلْم وخاصَّتُه والممارِسون له، والذينَ هُمْ خُلَقاءُ أنْ يَعرِفوا وجْهَ الغلطِ والخطأ فيه لو أنَّهم نظَروا فيه3 كالأجانب الذين ليسوا من أهله، في قبول والعمل به والركون إليه، ووجدتهم قد أععطوه مقادتهم، وألا نوا له جانِبَهم، وأَوْهَمَهمْ النظَرُ إلى مُنْتَماه ومنْتَسَبهِ، ثم اشتهارِه وانتشارِه وإطباقِ الجمع بعدَ الجمع عليه4 أَنَّ الضَّنَّ به أصوب، والمحامة عليه أَوْلى. ولربما بل كلَّما ظنوا أنه لم يَشِعْ ولم يَتَّسعْ، ولم يَرْوِهِ خلفٌ عن