سَلَف، وأخِرُ عن أول، إلا لأنَّ له أصْلاً صحيحاً، وأنه أُخذَ من معْدِن صدقٍ، واشتُقَّ من نَبْعةٍ كريمةٍ، وأَنه لو كان مَدْخولاً لظَهَر الدَّخَلُ الذي فيه على تقادُم الزمان وكرورِ الأيام. وكمْ من خَطإٍ ظاهرٍ ورأْيٍ فاسدٍ حظيَ بهذا السبَبِ عندَ الناس، حتى بَوَّأُوه في أَخَصِّ موضعٍ من قلوبهم، ومنحوه المحبَّة الصادقةَ من نفوسهم، وعطفوا عليه عطْفَ الأُمِّ على واحدِها. وكم من داءٍ دَويٍّ قد استحْكَم بهذه العِلَّة، حتى أعْيَا علاجُه، وحتى بَعِلَ به الطبيبُ1.
ولَوْلاَ سلطانُ هذا الذي وصفتُ على الناس، وأَنَّ له أخذه تمنع القلوب على التدبر2، وتقطع عنها ذواعي التفكُّر لمَا كان لهذا الذي ذَهَب إليه القومُ في أمرِ "اللفظِ" هذا التمكُّنُ وهذه القوَّةُ، ولا كان يَرْسُخُ في النفوسِ هذا الرسوخ، وتنشعب عروقه هذا الشعب3، مع الذي بانَ مِن تهافُتهِ وسقُوطهِ4 وفُحْشِ الغلط يه، وأنَّكَ لا تَرى في أَديمهِ مِنْ أَين نظَرْتَ، وكيفَ صرَّفْتَ وقلَّبْتَ مَصَحّاً5، وَلا تَراه باطِلاً فيه شَوْبٌ من الحقِّ، وزَيفاً فيه