القسمِ الأول من الحِجَج ما لا يَبْقى معه لعاقلٍ، إذا هو تأمَّلَها، شَكٌّ في بُطْلانِ ما تعَلَّقوا به، مِنْ أنه يَلْزَمُنا في قولِنا: "إنَّ الكلام يكونُ فَصيحاً مِن أجْل مزيةٍ تكونُ في معناه"1، أن يكونَ تفسيرُ الكلامِ الفصيحِ فصيحاً مثلَه، وأنَّه تَهُّوسٌ منهم، وتفحم في المحالات2.
وأما القسمُ الذي تُعزى فيه المزيةُ إلى "النظْم"، فإِنَّهم إنْ ظنُّوا أنَّ سؤالَهم الذي اغترُّوا به يتجهُ لهم فيه، كان أمرُهم أعجَبَ، وكان جهلُهم في ذلك أغْرَبَ. وذلك أن "النظم"، كما بينا، إنما هو توخّي معاني النحو وأحكامِه وفروقِه ووُجوهه، والعملُ بقوانينه وأُصولِه، وليستْ معاني النحو معانيَ ألفاظ3، فيتصوَّر أن يكونَ لها تفسيرٌ.
534 - وجملةُ الأمر، أنَّ "النظْمَ" إنما هو أنَّ "الحمدَ" من قولِه تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مبتدأ، و "لله" خبره، و "ربِّ" صفةٌ لاسم الله تعالى ومضافٌ إلى "العالمين" و "العالمينِ" مضافٌ إليه، و "الرحْمنِ الرحَيم" صفتانِ كالرَّبِ، و "مالكِ" من قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} صفة صفةٌ أيضاً، ومضافٌ إلى يوم. و "يومِ" مضافٌ إلى "الدين"، و "إياك" ضميرُ اسم الله تعالى، وهو ضميرٌ يقَعُ موقِعَ الاسمِ إذا كان الاسمُ منصوباً، معنى ذلك أنكَ لو ذكَرْت اسْمَ الله مكانه لقلت: "الله تعبد"، ثم إنَّ "نعْبدُ" هو المقتضي معنى النصْبِ فيه، وكذلك حكم {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} معطوف بالواو على جملة {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، و {الصِّرَاطَ}