أثمرت أغصان راحته ... لجناة الحُسْنِ عُنَّابا1
ألا تَرى أنك لو حملتَ نفسَك على أن تُظهرَ التشبيهَ وتُفصِحَ به، احتجَتْ إلى أن تقول: "أثمرتْ أصابعُ يدِه التي هيَ كالأغصانِ لطالبي الحُسْن، شبيهَ العُنَّاب من أطرافها المخضوبة"، وهذا ما لا تَخْفى غثاثَتُه. مِنْ أجْل ذلك كان موقِعُ "العنَّاب" في هذا البيتِ أحسَنَ منه في قوله:
وعضَّتْ على العُنابِ بالبَرَد
وذاك لأنَّ إظهارَ التشبيهِ فيه لا يقبح هذا القبح المفرد، لأنك لو قلْتَ: "وعضَّتْ على أطرافِ أصابعَ كالعنابِ بثغرٍ كالبَرَد"، كان شيئاً يُتكلَّم بمثلِه وإنْ كانَ مَرْذولاً. وهذا موضعٌ لا يَتبيَّنُ سره إلا من كان مهلب الطَّبْعِ حادَّ القريحةِ2. وفي الاستعارةِ علْمٌ كثيرٌ، ولطائِفُ معانٍ، ودقائقُ فروقٍ، وسنقولُ فيها إن شاء الله في موضع آخر.
القسم الثاني: وهو الذي تكون فصاحته في النظم
533 - واعلمْ أنَّا حينَ أخذْنا في الجوابِ عن قولِهم: "إنَّه لو كان الكلامُ يكونُ فصيحاً مِن أجْل مزيَّةٍ تكونُ في معناه، لكانَ ينبغي أن يكونَ تفسيرُه فصيحاً مثلَه"3، قلْنا: "أَنَّ الكلامَ الفصيحَ ينقسمُ قسمين، قسمٌ تُعزى المزيةُ فيه إلى اللفظِ، وقسمٌ تُعْزى فيه إلى النظم"4، وقد ذكرنا في