مفعولٌ، و {الْمُسْتَقِيمَ} صفةٌ للصِراط، و {صِرَاطَ الَّذِينَ} بدل من {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، و {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} صلة الذين، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} صفة {الَّذِينَ}، و {الضَّالِّينَ} معطوفٌ على {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}.
فانظرِ الآنَ هَلْ يتصوَّر في شيءٍ مِن هذه المعاني أن يكونَ معنى اللفظِ؟ وهل يكونُ كونُ "الحمدُ" مبتدأ معنى لفظِ "الحمد"؟ أم يكون كونُ "ربِّ" صفة وكونُه مضافاً إلى "العالمين" معنى لفظ "الرب"؟
535 - فإِنْ قيلَ: إنه إنْ لم تكنْ هذه المعاني معانيَ أنفُسِ الألفاظِ، فإِنها تُعْلَمُ على كلِّ حال من ترتب الألفاظ، ومن الإعراب، فالبرقعة في "الدال" من "الحمد" يُعْلَم أنه مبتدأٌ، وبالجرِّ في "الباء" من "ربِ" يُعْلَم أنه صفة، وبالياء في "العالمينَ" يُعْلم أنه مضافٌ إليه، وعلى هذا قياسُ الكُلِّ.
قيل: ترتيبُ اللفظ لا يكونُ لفظاً، والإعرابُ وإنْ كان يَكونُ لفْظاً، فإِنه لا يُتصوَّر أن يكونَ ههنا لفظانِ كلاهما علامةُ إعرابٍ، ثم يكونُ أحدُهُما تفسيراً للآخَر. وزيادةُ القولُ في هذا من خطَل الرأي، فإنه مما يعلمه العقال ببَديهةِ النظرِ، ومَنْ لَمْ يتنبَّهْ له في أوَّل ما يَسْمَع، لم يَكُنْ أهلاً لأنْ يكلم. ونعوذ إلى رأسِ الحديث فنقول.
536 - قد بطَلَ الآنَ من كلِّ وجهٍ وكلِّ طريقٍ، أنْ تكونَ "الفصاحةُ" وصْفاً لِلَّفظ من حيثُ هو لفظٌ ونطقُ لسانٍ، وإذا كان هذه صورةَ الحالِ وجملةَ الأمرِ، ثم لم تَرَ القومَ تفكَّروا في شيءٍ ممَّا شرحْناه بحالٍ، ولا أخطَرُوه لهم ببالٍ، بانَ وظهَر أنَهم لم يأتوا الأمرَ مِن بابِه، ولم يَطْلبُوه من مَعْدِنه، ولم يسلُكُوا إليه طريقَه، وأنهمْ لم يزيدوا على أنْ أوْهَموا أنفُسَهم وهماً كاذباً أنَّهم قد أبانوا