- بقي أثر آخر من آثار الجرجاني - هو شعره، الذي ذكَره بعضُ كتب التراجم،. ولم يُشر أحد إلى عنوانٍ واحد له. والمراجح أنه لم يترك ديواناً مجموعاً على غرار سائر كتبه ومصنفاته، ربما لأنه لم يكن لديه ما يوجب جمعه وحفظه في كتاب مستقل.

وما وصل إلينا من هذا الشعر، يقع بعامة في خانة الشعر الحكمي التعليمي الذي يصلح لنظم القواعد والمعارف المبوَّبة المفرَّعة.

هكذا رأيناه في "هائيته" التي ختم بها "مدخله" إلى كتابه "دلائل الإعجاز" وهي في ثلاثة وعشرين بيتاً، ضمَّها حقيقة "النظم" التي عرضها بإسهاب في كتابه، وربطها كليّاً بمعاني النحو وأحكامه ووجوهه، كقوله:

وقد علمْنا بأنَّ النظْمَ ليس سوى ... حُكْم من النحو نَمْضي في توخِّيهِ

لو نقَّب الأَرْض باغٍ غير ذاكَ لهُ ... معنًى وصعَّدَ يَعْلو في تَرقِّيه

ما عاد إلاَّ بخُسْرٍ في تطلُّبه ... ولا رأى غير غَيِّ في تَبَغِّيهِ

ولو تأملنا المقاطع الشعرية التي أثبتها له كتَّابُ التراجم، ولا سيما "دمية القصر" للباخرزي خرجنا بانطباع خاص، أن هذا الشعر، لا يشكل نتاجاً أدبياً قائماً بذاته. إن هو إلاَّ نفثات قصيرة النفس لما يحتدم في داخله، عوضاً من أن يصوغها نثراً في رسائل ومقامات، نظمها شعراً، أحكم فيه العقل وموازنة الأشياء، وغلب عليه التمثُّل بعِبَر الحياة بالقَدْر الذي أتيح له استشفافها واعتصارها، كقوله:

أيُّ وقتٍ هذا الذي نحنُ فيهِ ... قد دَجا بالقياس والتشبيهِ

كلَّما سارتِ العقولُ لكي تَقْـ ... ـطَعَ تيهاً، تغوَّلتْ في تيهِ

وقوله، وقد فاته الابتكار الفكري - على حد وصف الباخرزي لبعض أشعاره - مستعيضاً عنه بالصَّنعة البديعية التي تمثل الاتجاه الشعري العام لكثير من شعراء عصره، والعصور اللاحقة. والقول هنا، من قصيدة في اليأس من الناس:

ليس بالإقبال ما نِيـ ... ـلَ بتقبيل الكلابِ

إنَّ باغي الربحِ والخُسْـ ... ـرانِ في بابٍ وبابِ

تلكم هي الآثار التي أمكن الوقوفُ عندها، ورصْدُ ما فيها من جوانب علمية وفنية، إنْ فاتني فيها العمق والشمول، فلم تفُتْني الإحاطة ولو بأطرها العريضة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015