وأرى أنَّ هذه الصفحة المشرقة والمدماك الشامخ في صرح العربية قد حاز من الإجلال والإعجاز ما يدفع القارئ إلى تسجيل أية إشارة غير منسَجمة مع نسِيجه البليغ وفكره السديد، كالتطويل في الجمل من جهة وتكرار صيغ الشرح من جهة أخرى. ومن هذا القبيل قوله في فقرة (عَود إلى مباحث إنما) في باب القصر والاختصاص"
" ... وذلك أنك ترى أنك لو قلت: ما جاءني زيد وإنَّ عمراً جاءني: لم يُعقل منه أنك أردتَ أن الجائي عمرو لا زيد".
وكان بإمكانه القول: (لأنك لو قلتَ) مُستغْنياً عن الجملة التي سبقت، ومتخلِّصاً من تكرار "أنك" المتتابعة مرتين.
ومثله تعليقه على "إنما" في الآية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا في الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون} [البقرة: 11] "دخلتْ (إنما) لتدل على أنهم حيث ادَّعوا لأنفسهم أنهم مصلحون أَظهروا أنهم يدَّعون من ذكر أمراً ظاهراً معلوماً".
هذا التكرار المتقارب لـ "أنهم" يورث الثقل في التركيب - وأُفضِّل لو نوَّعَ فاستخدم المصدر المؤوَّل بعدها. مثال: (حيْن ادَّعوا لأنفسهم الإصلاح).
ومن التكرار الواضح الذي نُطالعه بكثرة وبخاصة في المثال النحوي "الشهير": "ضربَ زيد عمراً" الذي لو أحصينا عدد المرات التي ورد فيه كلٌّ من [ضرب] و [زيدٌ] و [عمرو] لعَيينا عن ذلك ...
ولا أرى ضرورة لضرب مثال على ذلك ... ولكني أورد مثالاً لتكرار الفكرة مع لفظها في الصفحة الواحدة، بل في المقطع الواحد؛ وعندما أقول بالتكرار، إنما أقصد إلى هذا المدى الضيق؛ ففي كلامه على (الفرق بين معنى المفسَّر ومعنى التفسير) نقرأ له:
" ... كان للمفسَّر فيما نحن الفضلُ والمزية على التفسير، من حيث كانت دلالة في المفسَّر دلالةَ معنى على معنى، وفي التفسير دلالة لفظ على معنى".
ثم يقول، بعد أربعة سطور، من التعقيب:
"ولا يكون هذا الذي ذكرتُ أنه سبب فضل المفسَّر على التفسير من كون الدلالة في المفسَّر دلالة معنى على معنى، وفي التفسير دلالةَ لفظ على معنى، حتى يكون للفظ المفسَّر معنى معلوم يعرفة السامع ... "