"واعلمْ أني على طول ما أعدتُ وأبدأتُ، وقلت شرحتُ في هذا الذي قام في أوهام الناس من حديث اللفظ، لربما ظننتَ أني لم أصنع شيئاً ( ... ) وهذا والذي بيِّنَّاه وأوضحناه، كأنك ترى أبداً حجاباً بينهم وبين أن يعرفوه، وكأنك تُسمعُهم منه شيئاً تَلفِظُه أسماعُهم، وتُنكره نفوسهم، وحتى كأنه كلما كان الأمرُ أَبْينَ كانوا عن العلم به أبعد، وفي توهم خلافه أَقعد؛ وذاك لأن الاعتقاد الأول قد نشب في قلوبهم وتأشَّب فيها، ودخل بعروقه في نواحيها، وصار كالنبات السوءِ الذي كلما قلعتهُ نبتَ".
لكأنه دائماً في حوار جدلي كلامي مع قارئ يتمثله، فيخاطبه ويحاجُّه في مثل حلقات المتكلمين المسلمين في مطالع عهدهم. ومن الصعب على القارئ مخالفته، لأنه يمسك بأطراف القناعة والبرهان، فيدلي، ويطرح، ويبسط بكل تؤدة وحسْن مراجعة.
ولا يفوتنا الطريقة التي لا تختلف في شيء عن الدرس الصفّي الذي يقتضي التمهيد والرأي الجزل والمثال العلمي البلاغي، الذي يتناوله من غير جانب، حتى إذا أعوزه الإقناع الكلّي، عمد إلى التفسير الإعرابي النحوي المُفضي إلى حسْن فهم الكلام، وربط أجزائه بعضها ببعض.
ومن الإعراب النحوي، إلى الإعراب الإسناديّ الذي يجعله مستوطن البغية التعبيرية؛ وإلاَّ اختلَّ السياقُ؛ ومثله الإعراب البياني الذي اعتمد - في حيز كبير منه على تحليل لغوي يصل حد الوقوف الدقيق عند بعض الحروف ... وبوسع القارئ الاهتداء إلى مختلف وجوه الإعراب لدى مطالعته لأي فصل، فسيجد ما هو أكثر من ذلك وأبعد، كالإعراب المعنوي (أي تقليب المعاني واستبدال بعض الكلمات، لتبيان ما يذهب إليه) والإعراب النفسي وبخاصة في الصفحات الأخيرة بحيث ينتهي إلى (الفروق والإحساس الروحاني) بما لم يسبق إليه ...
الأساليب
تناولت الفقرة السابقةُ مسألةَ المنهج والطريقة من غير فصل بينهما، لشدة ترابطهما وتداخلهما في نسيج يسمح لي بالقول: إنه نسيجُ وحده. وها أنذا أُوضح ما هو أدقُّ وأقرب إلى الشرح التطبيقي لما تضمنته الفقرة السابقة، ولما قلتُ: "إنه نسيج وحده".