كانت هذه أبرز موضوعات الكتاب، صغتُها بكثير من الجمع والتلخيص، إن دلَّت على شيء، فعلى المنحى الدوراني المتشعب حول نقطة مركزية هي إعجاز النظم وما يتعلق به أو يؤدي إليه من دروب وقنواتٍ، كل واحدة منها تمثل مشروع دائرة شبه مستقلة، وما ذاك إلاّ لغنى العناصر التي يتكون منها الإعجاز البلاغي الذي يحيط بالنظم القرآني وكلِّ نظم آخر يقتدي به أو يقتبس منه، ويسعى لبلوغ ما بلغه من مراتب السمو في الإبداع الفني ...

ولا يسعني ههنا إلاَّ تأكيد ما قلْتُه من قبل بموسوعية الطرح والمعالجة، وبالنظرة شبه الشمولية التي يتطلبها الدرس البلاغي، ويُفْضي إليها؛ وبخاصة علم المعاني الذي يفترض الإلمام بإحكام، بمختلف علوم اللغة وقواعدها. ذاك أنه الأصل والقاعدة وما سمِّي بمقتضى الحال. يؤكد ذلك تعريف السكاكي له بما يشبه إحاطة السِّوار بالمعصم، قائلاً:

"هو تتبعُ خواص تراكيب الكلام في الإفادة، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليُحترزَ بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يَقتضي الحال ذكره".

ولو تأملنا معاني المفردات التي يتألف منها هذا التعريف، لظهر لنا المدى البعيد الذي يبلغه هذا العلم والمراحل التي ينبغي اجتيازها لتحقيق مضمونه ... وأكتفي بالشطر الأول من التعريف: "تتبُّع خواص تراكيب الكلام في الإفادة" وأترك القارئ يُنعم النظر وراء كل مفردة على حدة، فيدرك السُّبل التي عليه سلوكها أو الإحاطة بها، ولا سيما (تراكيب الكلام) التي لو فتحنا نافذة للتعرف إلى مضمونها وشرائحها التي تتناول الجمل والمفردات وأسس تشكيلها وتركيبها وتأليفها لتصبح نسيجاً دارئاً ما دونه من معان ومقاصد ... لأطَلْنا وأفَضْنا. وقِسْ على ذلكِ، كلآ من الإفادة، والاستحسان والاحتراز من الخطأ، ومقتضى الحال .. أفلا يتطلب منا ذلك: الطوافَ المتأني حول مجمل عناصر الكلام ووجوهه وسُننه وسبل تحسينه، وإضفاء البهجة والحياة فيمن حوله؟ ...

المنهج والطريقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015