الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ كَادَ صِلَةٌ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى الْآيَةَ، وَاسْتَدَلَّ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ زِيدِ الْخَيْلِ:
سَرِيعٌ إِلَى الْهَيْجَاءِ شَاكٍ سِلَاحُهُ ... فَمَا أَنْ يَكَادَ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ
أَيْ فَمَا يَتَنَفَّسُ قِرْنُهُ، قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [24 \ 40] ، أَيْ لَمْ يَرَهَا، وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
إِذَا
غَيَّرَ
النَّأْيُ
الْمُحِبِّينَ
لَمْ
يَكَدْ
... رَسِيسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
أَيْ لَمْ يَبْرَحْ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ.
قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
وَإِنْ أَتَاكَ نَعِيٌّ فَانْدُبَنَّ أَبًا ... قَدْ كَادَ يَطَّلِعُ الْأَعْدَاءُ وَالْخُطُبَا
أَيْ قَدِ اطَّلَعَ الْأَعْدَاءُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ الْأَوَّلُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي.
لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ سُؤْلِ مُوسَى الَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّهُ إِنَّهُ آتَاهُ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى [20 \ 36] ، وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي حَلِّ الْعُقْدَةِ مِنْ لِسَانِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ شَيْءٍ مِنَ الَّذِي كَانَ بِلِسَانِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ [43 \ 52] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُوسَى: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ الْآيَةَ [28] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمْ يَسْأَلْ زَوَالَ مَا كَانَ بِلِسَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا سَأَلَ زَوَالَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ يَفْقَهُوا قَوْلَهُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَفْقَهُوا قَوْلِي.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، مَا نَصُّهُ: وَمَا سَأَلَ أَنْ يَزُولَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ بِحَيْثُ يَزُولُ الْعِيُّ وَيَحْصُلُ لَهُمْ