فَهْمُ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، وَهُوَ قَدْرُ الْحَاجَةِ، وَلَوْ سَأَلَ الْجَمِيعَ لَزَالَ، وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلِهَذَا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ، قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ [43 52] ، أَيْ يُفْصِحُ بِالْكَلَامِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، قَالَ: حَلَّ عُقْدَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ سَأَلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أُعْطِي.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَكَا مُوسَى إِلَى رَبِّهِ مَا يَتَخَوَّفُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فِي الْقَتِيلِ، وَعُقْدَةِ لِسَانِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي لِسَانِهِ عُقْدَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعِينَهُ بِأَخِيهِ هَارُونَ يَكُونُ رِدْءًا لَهُ، وَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ بِكَثِيرٍ مِمَّا لَا يُفْصِحُ بِهِ لِسَانُهُ، فَآتَاهُ سُؤْلَهُ، فَحَلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْهُ، قَالَ: أَتَاهُ ذُو قَرَابَةٍ لَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا بِكَ بَأْسٌ، لَوْلَا أَنَّكَ تَلْحَنُ فِي كَلَامِكَ، وَلَسْتَ تُعْرِبُ فِي قِرَاءَتِكَ، فَقَالَ الْقُرَظِيُّ: يَا ابْنَ أَخِي أَلَسْتُ أُفْهِمُكَ إِذَا حَدَّثْتُكَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَحُلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ كَيْ يَفْقَهَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَوْلَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ كَثِيرٍ بِلَفْظِهِ.
وَقَدْ نُقِلَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَوَابِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَذَبَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا [28] ، يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاكِهِ مَعَ هَارُونَ فِي الْفَصَاحَةِ، فَكِلَاهُمَا فَصِيحٌ، إِلَّا أَنْ هَارُونَ أَفْصَحُ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ الْآيَةَ.
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا رَسُولَانِ وَهُمَا مُوسَى وَهَارُونُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [26 \ 16] ، يُوهِمُ كَوْنَ الرَّسُولِ وَاحِدًا.