وعدم التناكر، والتعاون على هذا العمل الجليل والله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (?) وأي بر أبر من خدمة كتاب الله، ومن خدمة سنة رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
إن علماء الحديث في العصور الأولى حققوا هذا التعاون وهذا التعارف عن طريق الرحلات المتعددة والشاقة في سبيل لقاء الشيوخ، وتلقي الحديث، وجمعه، إن علماء الحديث وأمثالهم قد ضربوا في باب الارتحال في هذا المضمار الشريف مِنْ لَدُنْ عصر الصحابة إلى أن تم جمع الأحاديث والسنن - مثلا عليا لا تزال تعرفها لهم الأجيال المتعاقبة بالإعظام والإكبار، وهو أمر تنفرد به الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم.
وقد رحل سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري شَهْرًا في سبيل سماع حديث ممن سمعه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مباشرة وهو الصحابي الجليل عبد الله بن أُنَيْسٍ (?) رواه البخاري في " الصحيح " تَعْلِيقًا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ اَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ يَبْلُغْنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فِي الْقِصَاصِ (?) , وَكَانَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ بِمِصْرَ , فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلاً فَسِرْتُ حَتَّى وَرَدْتُ مِصْرَ، فَقَصَدْتُ إِلَى بَابِ الرَّجُلِ [الَّذِي بَلَغَنِي عَنْهُ الْحَدِيثُ]»، فذكر القصة.
وأخرج الطبراني من حديث مسلمة بن مخلد (?) قال: «أَتَانِي جَابِرٌ، فَقَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَرْوِيهِ فِي السَّتْرِ عَلَى المُسْلِمِ»، فذكره.
ورحل السيد الجليل أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر الجهني بسبب حديث واحد اَيْضًا، رواه أحمد بسند منقطع.