وروى أبو داود في " سننه " مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ فِي حَدِيثٍ.
وعلى هذا الدرب الواضح، وعلى هذه السنة الحميدة سار التابعون ومن جاء بعدهم من أئمة العلم في الحديث.
روى الخطيب البغدادي عن عبيد الله بن عدي قال: «بَلَغَنِي حَدِيثٌ عِنْدَ عَلِيٍّ فَخِفْتُ إِنْ مَاتَ أَنْ لاَ أَجِدهُ عِنْدَ غَيْرهِ، فَرَحَلْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الْعِرَاقَ».
وروى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: «إِنْ كُنْت لأَرْحَلُ الأَيَّام وَاللَّيَالِي فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ».
وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال: «كُنَّا نَسْمَع عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نَرْضَى حَتَّى خَرَجْنَا إِلَيْهِمْ فَسَمِعْنَا مِنْهُمْ».
قال الشعبي في مسألة أفتى فيها: «أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى المَدِينَةِ».
وقد روى " الدارمي " بسند صحيح عن بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «إِنْ كُنْتُ لأَرْكَبُ إِلَى المِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، [لأَسْمَعَهُ]» (?).
وقال أبو قلابة: «لَقَدْ أَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلاَثًا مَالِي حَاجَةً إِلاَّ رَجُلٌ عِنْدَهُ حَدِيثٌ يَقْدَمُ فَأَسْمَعُهُ مِنْهُ».
فإذا كان هذا حدث في العصور الأولى على قلة الظهر، وقلة المال، وبعد الشقة، وعذاب السفر فما بالنا لا يحدث بيننا التعارف والتعاون في هذا العصر الذي توفرت فيه وسائل الراحة في الأسفار، وقربت فيه وسائل الأسفار البعيد، ويسرت العسير، وأذهبت الكثير من عذاب الأسفار.