ثم إني أقول: أليس المعنى الذي لأجله أباح الشارع الحكيم اقتناء كلب الماشية موجودًا اَيْضًا في كلب الزرع؟ فالزيادة ليست منكورة دراية، كما هي ثابتة رواية، ثم إذا كان هناك في الكلام احتمالان: أحدهما احتمال خير، والآخر احتمال شر، أليس الأولى والأليق بالمسلم فضلاً عن الصحابي أن يحمل الكلام على ما هو خير؟ بلى والله، ورضي الله عن الفاروق الملهم المحدث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حين قال: «لاَ تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فِي أَخِيكَ المُؤْمِنِ شَرًّا، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الخَيْرِ مَحْمَلاً»!!! الحق أن صاحب " الضحى " جافاه الحق والصواب فيما زعم.

(3) قول صاحب " الضحى ": نعم رويت أشياء من هذا القبيل: فابن خلدون - مثلاً - يقول: قلة رواية أبي حنيفة للحديث: «إنه ضعف رواية الحديث اليقيني إذا عارضها الفعل النفسي» وهي عبارة وإن كانت موجزة وغامضة بعض الغموض إلا أنها تدلنا على هذا الاتجاه، وهو عدم الاكتفاء بالرواة، بل عرضها على الطبائع النفسية والبيئة الاجتماعية "

والجواب:

الحق أن صاحب " الضحى " حرف النص الذي ذكره ابن خلدون في " مقدمته "، عن معناه المراد وحمله على غير محمله، وابن خلدون لم يرد ما أراده صاحب " الضحى " وهو عدم الاكتفاء بالرواة بل عرضها على الطبائع النفسية والبيئة الاجتماعية.

وإنما أراد مسألة أخرى وهي مسألة العمل بخبر الواحد (?) إذا كان الراوي قد عمل بخلاف مقتضى الحديث أو أفتى بخلاف ما يدل عليه، فأبو حنيفة وأصحابه في مثل هذا يحكمون بضعف الحديث ولو كان صحيحًا.

قال أحد علماء الأصول: «اشترط علماء الحنفية للعمل بخبر الواحد شروطا ثلاثة: أولها: ألا يعمل الراوي بخلاف ما رواه عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن خالف الراوي ما رواه بعمله أو فتواه فلا اعتبار لروايته، بل المعول عليه ما نقل عنه من عمل أو فتوى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015