رواية المُبْتَدِع الداعية إذا روى ما يخالف بدعته، لأنَّ احتمال الكذب من الناحية النفسية بعيد جداً في هذا.
وكذلك اعتبروا من الجرح الذهاب إلى بيوت الحكام، وقبول جوائزهم ونحو ذلك مِمَّا راعوا فيه أنَّ الدوافع النفسية قد تحمل صاحبها على الانحراف.
وكما عني المُحَدِّثُونَ بنقد الأسانيد - النقد الخارجي - عنوا بنقد المتون - النقد الداخلي - وليس أدلَّ على هذا أنهم جعلوا من أمارة الحديث الموضوع مخالفته للعقل أو المشاهدة والحس مع عدم إمكان تأويله تأويلاً قريباً محتملاً وأنهم كثيراً ما يَرُدُّونَ الحديث لمخالفته للقرآن أو السُنَّة المشهورة الصحيحة أو التاريخ المعروف مع تعذر التوفيق، وأنهم جعلوا من أقسام الحديث الضعيف المنكر والشاذ، ومُعَلَّلَ المتن ومضطرب المتن إلى غير ذلك.
نعم لم يبالغ المُحَدِّثُونَ في نقد المتون مبالغتهم في نقد الأسانيد لأمور جديرة بالاعتبار تشهد لهم بأصالة النظر وعمق التفكير والاتئاد في البحث الصحيح، وسأعرض لهذا بالتفصيل والتوضيح فيما بعد.
وكذلك عنوا بفقه الأحاديث وفهمها، ولم يكونوا زَوَامِلَ للأخبار لا يفقهون لها معنى كما زعم بعض المُتَخرِّصِينَ على المُحَدِّثِينَ، والرعيل الأول من أئمة الحديث الذين جمعوه وغربلوه ونخلوه حتى صار نقيّاً من الشوائب والغرائب، كانوا أهل فقه ودِراية بالمتون، وذلك أمثال الأئمة مالك وأحمد والسُفْيَانَيْنِ الثَوْرِي وابْنِ عُيَيْنَةَ، والبخاري ومسلم، وباقي أصحاب الكتب