الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنَّ أحدهم لو اؤتمن على بيت مالٍ لكان أميناً عليه، فما أخذت عنهم شيئاً، ولم يكونوا مِنْ أهل هذا الشأن» وقال يحيى بن سعيد القطان: «كم مِنْ رجل صالح لو لم يُحَدِّثُ لكان خيراً له» يريد مَنْ عنده غفلة وسُوءِ حفظٍ، وقال الإمام أحمد: «يكتب الحديث عن الناس كُلِّهِمْ إِلاَّ عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو إليه، أو كذَّاب، أو رجل يغلط في الحديث فَيُرَدُّ عليه فلا يُقْبَلُ» وقال سليمان بن موسى: «كانوا يقولون - يعني أئمة الحديث -: لا تأخذوا العلم عن الصُحُفِيِّينَ» (?)، يعني الذين يأخذون الأحاديث عن الصحف لا بالرواية لكثرة ما يقع لهم من الخطأ والتصحيف وعدم التمييز، والأئمة الذين جمعوا الأحاديث في كتبهم المشهورة كان الاعتماد عندهم فيها على الرواية، والتلقِّي شِفَاهاً من الرُواة العُدُولِ الضابطين، وإنما كانت الكتابة زيادة في الوُثُوقِ والضبط، وحتى يرجع إليها مَنْ لم يكن في درجتهم مِنْ طالبي الحديث مِمَّنْ سيأتي بعدهم.
وقد عني المُحَدِّثُونَ عناية فائقة بنقد الأسانيد بحيث لم يَدَعُوا زيادة لمستزيد وقد خلَّفوا لنا في نقد الرجال ثروة هائلة ضخمة، منها ما ألِّف في الثقات، ومنها ما ألِّف في الضعفاء، ومنها ما ألِّف فيما هو أعم منهما، ولم يكتفوا في نقدهم للرجال بالتجريح الظاهري، بل عنوا أيضاً بالنقد النَفْسِي، وليس أَدَلَّ على هذا مِنْ تفريقهم بين رواية المُبْتَدِع الداعية وغير الداعية، فردُّوا رواية الأول وقبلوا رواية الثاني، لأنَّ احتمال الكذب في الأول قريب، ولا كذلك الثاني، وكذلك رَدُّوا رواية المُبْتَدِع وإنْ كان غير داعية إذا روى ما يُؤَيِّدُ بِدْعَتَهُ، لأنَّ احتمال الكذب قريب لتأييد بِدْعَتِهِ، وقبلوا