الجرح والتعديل وشروطهم في التصحيح والتضعيف فمنهم المُشَدِّد، ومنهم المتساهل، ومنهم المتوسط في الجرح، وقد يخفى على بعضهم من العلل ما لا يخفى على الآخر وهذا شيء يدل على حرِيَّةَ البحث في الإسلام، حرِيَّةَ منشؤها الرغبة في إحقاق الحق وإزهاق الباطل، لا الهوى والشهوة.
وقد وضع المُحَدِّثُونَ شروطاً للرواية المقبولة بحيث تكفل هذه الشروط الضمانات الكافية لصدق الرُواة وسلامتهم من الكذب والخطأ والغفلة في النقل وإليك هذه الشروط.
1 - الإسلام: وهو الانقياد ظاهراً وباطناً، فيشمل التصديق بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقبول شرائعه وأحكامه، والتزام ذلك علماً وعملاً، وإنما اشترطوا الإسلام وإنْ كان الكذب مُحَرَّماً في سائر الأديان لأنَّ الأمر أمر دين والكافر يسعى في هدم غير دينه ما استطاع، وهو متهم فيما يتصل به، وما دام عنصر الاتهام موجوداً كان من الحق والعدل عدم قبول روايته فيما هو دين، أما إنْ تَحَمَّلَ وهو كافر ولكن أدى وهو مسلم قُبِلَتْ روايتُهُ.
2 - التكليف: وذلك يتحقق بالبلوغ والعقل فلا تقبل رواية الصبي والمجنون، أما الأول فلأنه لا وازع له عن الكذب لعدم مؤاخذته شرعاً، وأما الثاني فلعدم إدراكه وتمييزه، نعم إنَّ تَحَمَّلَ الصبي المُمَيّز قبل البلوغ وأدَّى بعده تقبل روايته، يدل على هذا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - على قبول رواية جماعة من أحداث الصحابة كابن عباس وابن الزبير ومحمود بن الربيع وغيرهم وعلى هذا درج من جاء بعدهم، وقد حدَّدوا سِنَّ التمييز بخمس سنين، واستأنسوا في هذا بحديث محمود بن الربيع «عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ [مِنْ دَلْوٍ]» رواه البخاري.