وأوطانهم، ووفِيَّاتِهِم، إلى غير ذلك مِمَّا تجده مبسوطا في كتب علوم الحديث والرجال.

وقد علمت آنفاً أنَّ السُنَّة لم تُدَوَّنْ تدويناً عاماً إِلاَّ في آخر القرن الأول، ولا يشكلنَّ عليك أنَّ مباحث الرواية وشروطها، والرُواة وصفاتهم، والتعديل والتجريح، لم تكن مدوَّنَةً آنَئِذٍ، لأنها كانت منقوشة في الحوافظ والأذهان، وعلى صفحات القلوب، شأنها في ذلك شأن متون الأحاديث، وما كان أئمة الحديث الجامعون له بغائبة عنهم هذه القواعد بل كانوا يعرفونها حق المعرفة، فكان وجودها في الأذهان وإن لم توجد في الأعيان، وكان من أثر هذه المعرفة ما نقل إلينا من التثبت البالغ والتحوط الشديد في قبول المرويات وتدوينها، وصيانتها عن أنْ يتطرق إليها الكذب، أو الغلط، أو الخطأ.

وإنك لتلمس هذا جليّاً في الكتب التي ألِّفت في القرون الأولى فقد مزجت فيها المتون بأصول علم النقد والرواية، ومن ذلك ما نجده في أثناء مباحث كتاب " الرسالة " للإمام الشافعي (م 204) وما نقله تلاميذ الإمام أحمد (م 241) في أسئلتهم له ومحاورتهم معه، وما كتبه الإمام مسلم (م 161) في " مقدمة صحيحه " وما ذكره الإمام أبو داود (م 275) في " رسالته إلى أهل مكة " في بيان طريقته في كتابه " السُنَنْ " المشهور، وما ذكره الإمام أبو عيسى الترمذي (م 279) في كتابه " العلل " الذي هو في آخر " جامعه " من تصحيح وتحسين وتضعيف، وما ذكره الإمام البخاري (م 256) في " تواريخه الثلاثة "، إلى غير ذلك.

ومن ثَمَّ يَتَبَيَّنُ لنا أنَّ نقد المرويات، وتمييز صحيحها من زائفها قد كان ملازماً لجمعها في الكتب والجوامع والمسانيد، وإذا كان بعض هذه الكتب الجامعة للمتون يوجد فيها الضعيف والمنكر والموضوع - على ندرة جداً - من غير تنبيه إليه، فمرجع ذلك اختلاف أنظار أئمة الحديث في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015