(نحن نستدل على شد الرحال على سبيل الوجوب، أو الندب لأماكن دون المساجد الثلاثة بشد الرحال للتجارة الشرعية، وطلب العلم الشرعي، والمقابر، وللإخوان المؤمنين أحياء وأمواتا، ولا سيما قبر نبينا صلى الله عليه وسلم. وجميع الأنبياء والرسل والصحابة والأولياء والصالحين والشهداء..) 1.
لقد اهتم علماء الدعوة- كعادتهم- بمسألة البناء على القبور ولعلنا في هذه الأوراق المعدودة نكشف جانبا من هذا الاهتمام والحرص. ولا غرو في هذا، فإن البناء على القبور، وتشييدها، وشد الرحال إليها قد اشتمل- قديما وحديثا- على الكثير من البدع والمنكرات، عدا ما يترتب، وترتب عليه من إحياء الوثنية، وإعادة مظاهر الشرك المتنوعة، وأن التاريخ والواقع أكبر برهان على ذلك والله المستعان.
وقبل أن نورد بعضا من أجوبة أئمة الدعوة وأنصارها، ومناقشتهم على هذا الاعتراض، نرى مناسبة أن يسبق ذلك شيئا مما كتبه الشيخ حسين بن مهدي النعمي ردا على من زعم أن هدم القباب والمشاهد أذية لأولياء الله، يقول رحمه الله:
(وليت شعرى، كيف يكون أمرهم إذا لم يرعهم إلا نزول الإمام الأطهر صاحب السبق الأشهر، علي رضي الله عنه ونضر، بساحتهم يقول: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبراً مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته "2.
فعلى الذي يشاهد من حالهم، كأن لهم وقد ثاروا ذلك المثار، وأخذوا لتلك المعاقل بالثار، وأرجعوا عليا القهقرى، وتركوه زاحفا على الوراء وقالوا: أذية لأولياء الله ...
ثم كيف الخطب لديهم في هذه الأبنية على الأموات المعدة للتلاوة، والصلوات المشتملة على المحاريب، والفرش، والسرج وسائر الآلات إذا أتاهم في شأنها رسول صاحب الوحي المنزل، والهدي السوي الأعدل، يقول: بعثني لإزالة ما قد تقدم إليكم بالنهي عنه من اتخاذ القبور مساجد.
وهذا كله بالنظر إلى نفس البناء على القبر، لا إلى ما ترتب عليه من الوثنية والشرك، وعلى إحياء هذه المشاهد من كلم الإسلام وفقء عين شريعة المختار عليه الصلاة والسلام، وما يقع في الزيارات من أنواع الشرك بدعاء المقبورين، والطواف بتلك الأنصاب، والعكوف عندها، والنذر والتقرب لها بأنواع القربات. وما ترتب على ذلك من المفاسد، والمنكرات كترك الصلاة المكتوبة، وما يقولون من أقاويلهم المفتراة المكذوبة، قد حملوا الولي أو حملها عنهم، واختلاط الرجال بالنساء وأرباب الملاهي،