بل هي فعل الله تعالى، وقد لا يكون طالبا لها، وإنما قصده وغايته الاستقامة والاتباع للسنة النبوية؛ لأن الكرامة قد تقع للمفضول دون الفاضل، لذا كانت الكرامة في عهد التابعين أكثر منها في عهد الصحابة، كما أن الكرامة قد تحصل لضعفاء الإيمان لزيادة إيمانهم1.
لذا قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (ليست الكرامة من لوازم المنزلة وعلو الدرجة، مشى قوم فوق البحار، ومات عطشا من هو أفضل منهم، وأقوى إيمانا) 2.
لقد ترتب على خطأ وضلال هؤلاء المناوئين في تحديد وتعريف الكرامة، أنهم أقحموا- ضمن معنى الكرامة- الكثير من الكفريات والمحدثات، فجعلوا دعاء الأموات والاستغاثة بهم واتخاذ قبور الأولياء أعيادا، والتوسل بالموتى والتشفع بهم، كل ذلك جعلوه ضمن كرامات الأولياء، وزعموا أن ذلك هو من محبة الصالحين وتقديرهم.
ورحم الله محمود شكري الآلوسى حيث يقول:
(من الأمور التي يجب التنبيه عليها: أن من مكايد الغلاة التي كادوا بها العوام أنهم يقولون إن الاستغاثة بالأموات، وندائهم في المهمات ... هو من علامات محبتهم، ومن أنكر ذلك، وأبى ما هنالك، فهو من المبغضين للصالحين، والمنكرين لكرامات الأولياء والصديقين، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، فإن من أنكر تلك البدع والضلالات هم المحبون لهم، والمحافظون على هديهم وطريقتهم3.
ولقد قام علماء الدعوة وأنصارها بالرد والدحض لهذا الغلو، وسنورد بعضا من أقوالهم.
فيقول صنع الله الحلبي الحنفي في كتابه الذي ألفه في الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفا في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة:
(هذا وأنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفا في حياتهم، وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهم تكشف المهمات، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات) ،