"الحياء" وبهذا الشعور على وجه الدقة حدد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- روح هذه الأخلاق.
وأيًّا ما كانت وجهة البحث فإن المرء يرى أن هذه الأخلاق وهي تستهدف المثل الأعلى -تعمد إلى تجميع كل القوى، وكل أشكال الحياة الأخلاقية، ثم تردها ثانية إلى نقطة توازنها. ونخص بالذكر الطريقة التي استطاعت بها أن توفق بين "حرية" الفرد و"تنظيم" إرادته، لقد حققت هذا التوفيق بفضل طابعها المتوسط بين المرونة والصرامة، والذي بفضله تتكيف تبعًا لأكثر ظروف الحياة اختلافًا، دون أن تتراخى مع ذلك أمام إغراء شهواتنا، وتقلب إحساسنا.
والواقع أن هذه الشريعة تميز تمييزًا واضحًا بين الاتجاهات شديدة العمق للنفس الإنسانية، وحاجاتها العابرة، المشروعة أو غير المشروعة؛ كما أنها تفرق بين ما ينبغي أن يترك دون مساس؛ لأنه فريضة ظرف شامل لا يتغير، وبين ما يترك لحكم كل منا؛ لأنه يتغير بتغير الملابسات والظروف، وبين ما ينبغي إصلاحه، أو إسقاطه، باعتباره إضافة زائفة، صدرت عن طبيعة غريبة شريرة.
ولذلك أثبت القرآن مراعاة لهذه الأحوال المبدأ الثلاثي المتمثل في: "الفرض"، و"المباح"، و"المحرم".
فذلكم هو العامل الأول الذي جعل من هذا المقياس الدقيق للحكمة القرآنية رابطة بين الحرية والتنظيم.
وإليك عوامل أخرى.
فإذا ثبت مبدأ كل قاعدة، وجوهرها على هذا النحو، وجب أن يظلا ثابتين إلى الأبد، ومقدسين على وجه الشمول. بيد أنه لما لم تكن صيغة بعض