حرية الضمير الأخلاقي، ولولاه لما بقي للفرد أثر من حرية الاختيار. وبهذه الطريقة التي استخدمها القرآن في التعبير بوضوح ومرونة -استطاع أن ينشئ إطارًا متوافقًا لبناء هذا الوسط الأخلاقي المشترك بين جميع أعضاء الجماعة، ولكنه إطار غني بالألوان يمكن أن نجد في داخله درجات كثيرة من القيمة الأخلاقية.
وفي هذا الإطار يدعى كل فرد إلى ممارسة نشاطه، بأن يضع نفسه على درجة مناسبة العلو، في سلم القيم، تبعًا لطاقته المادية، ومطامحه الأخلاقية.
وبهذا يتضح معنى ذلك الحديث الصحيح الذي يقرر أن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسافرون "مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم"1.
والقرآن لا يعتمد فقط على الضمير الإنساني حين يغفل تحديد الشروط لهذه الرخصة أو تلك، بل إنه يرجع إليه صراحة في تحديد بعض واجباتنا الأسرية، والاجتماعية، التي يتركها غير محددة من الناحية الكمية، مكتفيًا بالقول بوجوب أدائها في صورة إنسانية وهو يجمل هذه الصورة الإنسانية في كلمة "المعروف": {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2، {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} 3، {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} 4، بل إن القرآن الكريم غالبًا ما يضع أفكار الخير والشر تحت اسم "المعروف، والمنكر".