كلها لا ينبغي في نظر القرآن أن تعفينا من بذل كل قوانا لأداء واجبنا الأخلاقي. وكما نبذل أحيانًا جهدًا إضافيًّا لكي نوفر حاجات الأفراد الذين نعزهم، ونتكفل بهم، فكذلك ينبغي أن نتحمل أكثر، من أجل واجب أكثر ضرورة، ونتقبل أعظم التضحيات في سبيله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1، {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} 2.

وبالرغم من قلة التحديد الظاهرة في هذا التعريف الخارجي إلا أن له ميزة مزدوجة، هي أنه يتطابق مع المنهج القرآني، ويلبي في الوقت نفسه المطالب الأساسية للأخلاقية.

ونلاحظ فيما يتعلق بالقرآن أنه في جميع المواضع التي يتحدث فيها عن الدواعي المعفية من هذه الشعيرة أو تلك -لا يستخدم سوى ألفاظ شائعة في عموم الجنس، مثل "المرضى" "المسافرين" ... إلخ. فهو حين اكتفى بالمعنى القريب الذي يفهم عمومًا من الصعوبة في موقف كهذا -لم يقل مطلقًا أي درجات المرض، ولا أية مسافة أو مدة في السفر. ولذلك فقد اختلفت آراء الفقهاء إلى أقصى حد عندما حاولوا تحديد أدنى مسافة يقطعها المسافر ليسمى مسافرًا، فبعضهم جعلها مئات الفراسخ، وآخرون عشراتها، وغيرهم بعضًا منها.

بيد أن عدم التحديد بهذه الصورة كان ضروريًّا في نفس الوقت لإنقاذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015