بيد أن المقياس الحقيقي للفكرة المركبة التي تشغلنا هنا لا يمكن تحقيقه إلا من الداخل، حيث يجب أن يترك لتقدير كل منا بنفسه، وليس معنى ذلك أن يحدد كل منا مقياسه مرة واحدة، بل يجب أن يتنوع هذا المقياس ليقابل في كل تجربة بين قيمة طاقتنا المتاحة، وأهمية أعبائنا، دون أن نغفل جانب التوافق في مجموع تكاليفنا.
ولقد يحدث -دون شك- أن تقود المرء رغبة خفية في التملص من الواجب، فيفيد من هذه المرونة في القاعدة العامة، ليطبقها على حالات مقاربة، من نفس الطبيعة في الظاهر، وفي هذه الحالة ننقذ المظاهر دون أن تكون الأخلاق قد نالت حقها بمثل هذا التصرف.
ومن الواضح أنه لا يمكن التحدث عن الأخلاق إلا بقدر ما يكون المرء صادقًا مع نفسه، وهذا هو التحفظ الذي ما زال القرآن ينفثه في آذاننا: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1، {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} 2.
وهو يثبت من حيث المبدأ بطلان أي عذر لا يستمد منبعه من الصدق: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} 3.
ولقد يحدث أيضًا أن يتخلى المرء عن الجهد قبل أن يصطدم فعلًا بإحدى العقبات، لا بسوء نية، ولكن بنوع من التراخي والإهمال. فهو يتخيل ابتداء أن عقبات سوف تصادفه، فيقول في نفسه: لن أفعل هذا، فقد