أمن الممكن أن نختط منهجًا قادرًا على أن يحدد مضمون هذا المفهوم المركب عن "الجهد النبيل المعتدل"؟
إذا كنا نقصد بالتعريف صيغة رياضية صحيحة بصورة شاملة، فيجب أن نطرح هذا التعريف جانبًا، سواء نظرنا إلى الشيء المعرف من الخارج أو من الداخل.
فلنتناوله أولًا من الخارج.
ولا شك أن بوسعنا القول بعامة، بأن جدلية العنصرين اللذين تتكون منهما الفكرة المراد تعريفها يجب أن تؤدي بهما إلى وضع وسط، بين "الخمود" و"الجموح".
بيد أن هذا الوضع الوسط لا يمكن تخيله في صورة نقطة هندسية، تبتعد عن الطرفين بمسافة متساوية، ذلك أن الاختلاف البالغ في الظروف الفردية، والذي ينتج عن آلاف الأوضاع التي لا نملك السيطرة عليها -يوجب على العكس أن نتمثل المقياس العام في منطقة مركزية، تتردد هي الأخرى بين قطبين، يميلان تارة إلى جانب، وأخرى إلى جانب آخر، فيحتويان بهذه الصورة على درجات لا تنتهي.
ولكي تحدد هذه المنطقة المركزية لن يكون لدى الناظر سوى أن يركن إلى الذوق العام وتقديراته التقريبية المبتسرة، تبعًا للتجارب اليومية. والواقع أننا نعلم متى تفتر الطاقة وتقترب من الخمود، ومتى تصير مفرطة محمومة، فنضع الجهد المعقول بين هذين في درجات مختلفة.
ومن هنا نفهم أن القرآن قد التزم باستخدام هذا المقياس العام، وهو يوجه عظاته إلى الناس، ولهذا كان البرد، والحر، والعرق، والتعب، والعطش، والجوع، وما شاكل ذلك من المصاعب التي لا تمنعنا من ممارسة أعمالنا، هذه