ذلك: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} 1. ولم يهلك من الناس بعد هذا سوى الجاحدين، والذين لا يؤدون شعائر دينهم: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 2، وفي آية أخرى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ} 3 لم يهلك إلا الذين: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 4.

فالأمر إذن أمر اختيار حر دنيوي، لا علوي، وهو يرجع إلى استخدامنا الحسن أو السيئ لملكاتنا العليا، وهي ملكات يزكي تثقيفها النفسَ، كما يدسيها ويطمسها إهمالها: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 5.

والحق أن القرآن لم يقتصر على الملكات العقلية وحدها، فلقد عنى في الوقت نفسه عناية كبيرة بإيقاظ أشرف مشاعرنا وأزكاها، بيد أنه لم يحرك هذه المشاعر إلا تحت رقابة عقلنا، فهو يتوجه إلينا دائمًا، أعني: يتوجه إلى ذلك الجانب المضيء من أنفسنا؛ إلى ملكتنا القادرة على أن تفهم، وأن تقدر في كل شيء ما يضر وما ينفع، وأن تقوم القيم المختلفة.

ومن المشاعر السامية التي حركها القرآن فينا -نذكر على سبيل المثال6 ما جاء فيه دعمًا لسائر واجباتنا الاجتماعية، بالمعنى الأوسع لكلمة: "مجتمع"، ألا وهو الشعور بالأخوة الإنسانية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015