ثم قال تعالى: ((وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)) أي: مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد -أي: غيظ وغضب وضيق من أحد- وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: ((وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) وهو من مقامات الإحسان.
وفي الحديث: (ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه الله) حديث صحيح أخرجه مسلم، ولا التفات إلى ما ذكر في بعض النسخ من تضعيفه، فهو حديث صحيح بلا شك، وبعض المحققين ذكر ضعفه وليس بضعيف، بل هو صحيح.
وروى الحاكم في مستدركه عن عبادة بن الصامت عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه).
قوله: من سره أن يشرف له البنيان أي: يرفع له البنيان عند الله في الجنان، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
قال الذهبي: أبو أمية ضعفه الدارقطني وإسحاق لم يدرك عبادة، وإسحاق بن يحيى بن طلحة هذا فيه انقطاع، لكن له شواهد متعددة، وقد أورده ابن مردويه من حديث علي وكعب بن عجرة وأبي هريرة، وأم سلمة رضي الله عنهم بنحو ذلك، لكن أصل هذا الحديث ثابت إن شاء الله؛ لأن له طرقاً متعددة.
وروى من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول: أين العافون عن الناس؟ هلموا إلى ربكم وخذوا أجركم، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة) نسأله ذلك.