وروى الإمام أحمد: عن الأحنف بن قيس عن عم له يقال له: جارية بن قدامة السعدي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! قل لي قولاً ينفعني وأقلل علي لعلي أعيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب، فأعاد عليه حتى عاد عليه مراراً كل ذلك يقول: لا تغضب).
وهكذا رواه عن أبي معاوية عن هشام.
وفي الراوية الأخرى: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! قل لي قولاً وأقلل علي لعلي أعقله، فقال: لا تغضب) قال ابن كثير الحديث انفرد به أحمد، مع أنه رواه البخاري، وهذا وهم من ابن كثير رحمه الله.
حديث آخر: رواه الإمام أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل: (يا رسول الله! أوصني، قال: لا تغضب، قال: الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله) انفرد به أحمد.
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أنه كان يسقي على حوض له، فجاء قوم فقالوا: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه؟ فقال رجل: أنا، فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه -يورد عليه: يدخل إبله على إبله أثناء سقياها- وكان أبو ذر قائماً فجلس، ثم اضطجع، فقد أغاظ أبا ذر هذا الرجل جداً، وهؤلاء القوم كانوا يريدون أن يغيظوا أبا ذر فكان أبو ذر قائماً فجلس، ثم اضطجع، فقيل له: يا أبا ذر، لم جلست ثم اضطجعت؟ فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل بإسناده.
وحديث آخر رواه الإمام أحمد أيضاً عن أبي وائل الصنعاني قال: كنا جلوساً عند عروة بن محمد إذ دخل عليه رجل فكلمه بكلام أغضبه، فلما أغضبه قام، ثم عاد إلينا وقد توضأ فقال: حدثني أبي عن جدي عطية هو ابن سعد السعدي وقد كانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا أُغضب أحدكم فليتوضأ) وهكذا رواه أبو داود وضعفه الشيخ الألباني.
وحديث آخر: رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنظر معسراً أو وضع له) أنظره أي: أخر عنه المدة، ووضع له أي: ترك شيئاً من الدين الذي عليه، (قال: من أنظر معسراً أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حزن بربوة ثلاثاً، ألا إن عمل النار سهل بسهوة، والسعيد من وقي الفتن) عمل الجنة حزن يعني: في الصعوبة، مثل مكان مرتفع يحتاج إلى صعود، ولن يجد الإنسان سهولة في الصعود إليه، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره)، (ألا وإن عمل النار سهل بسهوة) أي: أرض منبسطة، يعني: أن عمل النار سهل، (وحفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) هذا هو المعنى، والله أعلم.
قال: (والسعيد من وقي الفتن) نسأل الله أن يقينا من الفتن، (وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيماناً).
انفرد به أحمد وإسناده حسن ليس فيه مجروح، ومتنه حسن.
حديث آخر في معناه: رواه أبو داود عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً، ومن ترك لبس ثوب جمال وهو أقدر) قال: بشر المنصور -هو: بشر بن منصور أحد الرواة- أحسبه قال: (تواضعاً) أي: (ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعاً كساه الله حلة الكرامة، ومن روج لله كساه الله تاج الملك) بمعنى الدعوة، والله أعلم.
وروى الإمام أحمد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء) هذا حديث حسن.
والذي قبله ضعفه الشيخ الألباني، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
حديث آخر: رواه عبد الرزاق عن رجل من أهل الشام يقال له: عبد الجليل عن عم له عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمناً وإيماناً) حديث ضعيف، لكنه شاهد لما قبله، رواه ابن جرير.
وروى ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله) وكذا رواه ابن ماجة.
فقوله تعالى: ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)) أي: لا يعملون غضبهم في الناس، بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل.