الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد: فقد قال الله سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]، وقال سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]، وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:1 - 6].
فالله سبحانه وتعالى جعل القرآن حياة للقلوب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، وجعل القرآن إذا مر بالقلب كالمطر الذي يحيي الأرض بعد موتها: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:16 - 17]، وجعل القرآن وخصوصاً في هذا الشهر الكريم سبباً لإيقاظ الهمم والإرادات، وإحياء القلوب بهذه العبادات العظيمة إذا تدبرت القرآن، فلا يكن هم أحدكم آخر السورة، كما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وعندما قال له رجل: (قرأت المفصل في ركعة، أو قرأت المفصل في ليلة، فقال له: هذاً كهذ الشعر، إني لأعلم النظائر التي كان يقرن بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سورتين في كل ركعة، عشرين سورة في عشر ركعات)، فلم يكن صلى الله عليه وآله وسلم في كل الليالي يكثر القراءة جداً، كما قد يهتم الكثير منا بذلك، وإنما كان يهتم صلى الله عليه وسلم وينشغل بتدبر آيات القرآن، كما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه قام ليلة كاملة بآية واحدة، وهي قوله عز وجل: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، فكان يقرؤها ويبكي ويتضرع لربه عز وجل، ويقول: يا رب أمتي أمتي).
وقام بعض الصحابة رضي الله عنه ليلة بقوله سبحانه وتعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28].
فالذي ينبغي عليك أيها المسلم ألا تهتم فقط بالختمة، وإنما تهتم بأن تقف عند الآيات، تقف بقلبك فتتدبر وتتعظ بمواعظ القرآن، وتتغير من داخلك بها، وتسموا بأخلاقك بها، فإذا فسدت الأخلاق فسدت علينا حياتنا، وكثرت مشاكلنا ونزاعاتنا، وكَثُر الحقد والحسد والغل والتنافس على الدنيا، ويكثر الفساد في الأرض بسبب سوء الخلق ونقص الإيمان أو انعدامه بالكلية، فهناك ارتباط وثيق بين الإيمان وبين السلوك، وبين الإيمان وبين القرآن وتدبره.