قال بعض الصالحين: جاهدت نفسي على قيام الليل سنة، واستمتعت به عشرين سنة.
فجهاد النفس لن يطول بإذن الله تعالى، وإنما هو يسير؛ لأن الله قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
لا بد أن ننتصر على أنفسنا، لا بد من هذا الانتصار الداخلي حتى يتحقق الانتصار الخارجي، ولذا كان شهر رمضان عند أهل الإيمان شهر الانتصارات، وشهر تحقيق أعظم الفتوحات بفضل الله سبحانه وتعالى، ففي يوم السابع عشر من رمضان كانت غزوة بدر التي انتصر فيها الإسلام ودحر الشرك والكفران، وعُبِدَ الله سبحانه وتعالى في الأرض بها إلى يوم القيامة، وكان هذا بفضله سبحانه وتعالى على أهل الإيمان.
وفي رمضان كان فتح مكة البلد الأمين الذي جعله الله سبحانه وتعالى خير موضع على وجه الأرض، وانتشرت منه دعوة التوحيد إلى أقطار الأرض، وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ويئس الكفار من إزالة دين الإسلام من على وجه الأرض، وإنما غاية ما وصلوا إليه: تحجيمه أو تقليله أو صرف الناس عن حقيقته، أما أن يزال فلقد قال عز وجل: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
ولم تزل انتصارات المسلمين في رمضان تتابع بفضل الله سبحانه؛ لأن الإنسان إذا انتصر على نفسه انتصر على عدوه، وإنما يهزمه العدو إذا كان قد انهزم من الداخل؛ لأن هناك تحالفاً بين الشيطان وبين الكفار بمللهم المختلفة، فهم متعاونون على الكفر والفساد في الأرض، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73]، نعوذ بالله من شرهم، فإنما ينتصرون علينا بذنوبنا، ولذا كان من أهم ما يدفع به المسلمون عن أنفسهم تسلط الأعداء الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل، قال عز وجل: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:147 - 148]، وقال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:4 - 5].
فبمغفرة الله تدفع الفتنة، وبالاستغفار يدفع ضرر الأعداء وأذى الظالمين وتسلط المجرمين، فيهم إنما تسلطوا علينا بذنوبنا، فهل من فرصة أوسع من هذا الشهر الكريم لاستجلاب الخيرات، ودفع المضرات، وكشف الكربات عنَّا وعن إخواننا المسلمين في كل مكان، لا بد أن نجتهد أعظم اجتهاد في تحصيل هذا الصلاح الداخلي والخارجي حتى يتحقق النصر على الأعداء بإذن الله تبارك وتعالى.
نسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، وأن يعلي بفضله كلمة الحق والدين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.